responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 5  صفحة : 44

أنت بمنته حتى تلحقك بأبيك؛ فأمسك عنه و دخل إلى أمه كئيبا، فسألته عما به فأخبرها الخبر؛ فلما أوى إلى فراشه و نام إلى جنب امرأته وضع أنفه بين ثدييها، فتنفّس تنفّسة تنفّط [1] ما بين ثدييها من حرارتها؛ فقامت الجارية فزعة قد أقلّتها رعدة حتى دخلت على أبيها، فقصّت عليه قصّة الهجرس؛ فقال جسّاس: ثائر و ربّ الكعبة! و بات جسّاس على مثل الرّضف [2] حتى أصبح؛ فأرسل إلى الهجرس فأتاه، فقال له: إنما أنت ولدي و منّي بالمكان الذي قد علمت، و قد/ زوّجتك ابنتي و أنت معي، و قد كانت الحرب في أبيك زمانا طويلا حتى كدنا نتفانى، و قد اصطلحنا و تحاجزنا، و قد رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من الصلح، و أن تنطلق حتى نأخذ عليك مثل ما أخذ علينا و على قومنا؛ فقال الهجرس: أنا فاعل، و لكنّ مثلي لا يأتي قومه إلا بلأمته [3] و فرسه؛ فحمله جسّاس على فرس و أعطاه لأمة و درعا؛ فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما، فقصّ عليهم جسّاس/ ما كانوا فيه من البلاء و ما صاروا إليه من العافية، ثم قال: و هذا الفتى ابن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه و يعقد ما عقدتم؛ فلما قرّبوا [4] الدم و قاموا إلى العقد أخذ الهجرس بوسط رمحه، ثم قال: و فرسي و أذنيه، و رمحي و نصليه، و سيفي و غراريه، لا يترك الرجل قاتل أبيه و هو ينظر إليه؛ ثم طعن جسّاسا فقتله، ثم لحق بقومه؛ فكان آخر قتيل في بكر بن وائل.

ترحيل أخت كليب لجليلة عن مأتم زوجها و شعر جليلة في ذلك:

قال أبو الفرج: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه عن الشّرقيّ [5] بن القطاميّ قال:

لمّا قتل جسّاس بن مرّة كليب بن ربيعة، و كانت جليلة بنت مرّة أخت جساس تحت كليب، اجتمع نساء الحيّ للمأتم، فقلن لأخت كليب: رحّلي جليلة عن مأتمك، فإنّ قيامها فيه شماتة و عار علينا عند العرب؛ فقالت لها:

يا هذه اخرجي عن مأتمنا، فأنت أخت واترنا و شقيقة قاتلنا؛ فخرجت و هي تجرّ أعطافها؛ فلقيها أبوها مرّة، فقال لها: ما وراءك يا جليلة؟ فقالت: ثكل العدد، و حزن الأبد؛ و فقد حليل، و قتل أخ عن قليل؛ و بين ذين غرس الأحقاد، و تفتّت الأكباد؛ فقال لها: أو يكفّ ذلك كرم الصّفح و إغلاء الدّيات؟ فقالت جليلة: أمنيّة مخدوع و ربّ الكعبة! أبا لبدن تدع لك تغلب دم ربّها!. قال: و لمّا رحلت جليلة قالت أخت كليب: رحلة المعتدي و فراق الشامت، ويل غدا لآل مرّة، من الكرّة بعد الكرة!. فبلغ قولها جليلة، فقالت: و كيف تشمت الحرّة بهتك سترها/ و ترقّب وترها! أسعد اللّه جدّ أختي، أ فلا قالت: نفرة الحياء، و خوف الاعتداء!. ثم أنشأت [6] تقول:


[1] تنفط: احترق.

[2] الرضف (بالفتح، واحده رضفة): الحجارة المحماة يوغر (يسخن) بها اللبن، و يقال: هو على الرضف إذا كان قلقا مشخوصا به أو مغتاظا.

[3] لأمته: سلاحه. و تطلق اللامة على كل عدّة للحرب من درع و رمح و بيضة و مغفر و سيف و نبل.

[4] كان من عادة العرب أن يحضروا في جفنة طيبا أو دما أو رمادا فيدخلوا فيه أيديهم عند التحالف ليتم عقدهم عليه باشتراكهم في شي‌ء واحد.

[5] في بعض الأصول: «الشرفي» بالفاء، و هو تصحيف، و قد ضبطه السمعاني بفتح الشين و سكون الراء و القطامي بضم القاف و فتح الطاء و كسر الميم. و ضبط كذلك بالعبارة في «تهذيب التهذيب» و الخلاصة بفتح الشين و الراء و قطامي بضم القاف و فتح الميم.

[6] قال أبو عبيد اللّه محمد بن عمران المرزباني في الجزء الثالث من «أشعار النساء» بعد أن ذكر هذه الأبيات و نسبها لجليلة كما ذكر المؤلف هنا: «و وجدت بخط حرميّ بن أبي العلاء قال محمد بن خلف بن المرزبان: هذه الأبيات لفاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن مرّة أخت كليب و مهلهل ابني ربيعة التغلبيين ترثي أخاها كليبا و قتله زوجها جساس» اه.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 5  صفحة : 44
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست