/ و ركبت فلحقت بالمعسكر و الرشيد قد جلس للشرب
و طلبني فلم أوجد. و أخبرت بذلك،/ فغنّيت في الأبيات و دخلت إليه؛ فقال لي: أين
كنت؟ ويحك! فأخبرته بالخبر و غنّيته الصوت؛ فطرب و شرب عليه حتى سكر، و أخّر
الرحيل في غد، و مضينا إلى الدّير و نزله، فرأى الشيخ و استنطقه، و رأى الجارية
التي كانت تخدمني بالأمس؛ فدعا بطعام خفيف فأصاب منه، و دعا بالشراب، و أمر
الجارية التي كانت بالأمس تخدمني أن تتولّى خدمته و سقيه ففعلت، و شرب حتى طابت
نفسه؛ ثم أمر للدّير بألف دينار، و أمر باحتمال خراجه له سبع سنين؛ فرحلنا.
قال حمّاد:
فحدّثني أبي قال: فلما صرنا بتلّ عزاز من دابق [2] خرجت أنا و أصحاب لي نتنزّه في
قرية من قراها، فأقمنا بها أيّاما، و طلبني الرشيد فلم يجدني. فلمّا رجعت أتيت
الفضل بن الربيع؛ فقال لي: أين كنت؟
طلبك أمير
المؤمنين؛ فأخبرته بنزهتنا فغضب. و خفت من الرشيد أكثر مما لقيت من الفضل؛ فقلت:
و غنّيت فيه؛
ثم دخلت على الرشيد و هو مغضب؛ فقال: أين كنت؟ طلبتك فلم أجدك؛ فاعتذرت إليه و
أنشدته هذا الشعر و غنّيته إياه؛ فتبسّم و قال: عذر و أبيك/ و أيّ عذر! و ما زال
يشرب عليه و يستعيدنيه ليلته جمعاء حتى انصرفنا مع طلوع الفجر. فلمّا وصلت إلى
رحلي إذا برسول أمير المؤمنين قد أتانا يدعونا؛ فوافيت فدخلت، و إذا ابن جامع
يتمرّغ على دكّان في الدار و هو سكران يتململ؛ فقال لي: يا ابن الموصليّ، أ تدري
ما جاء بنا؟ فقلت:
لا و اللّه ما
أدري؛ فقال: لكنّي و اللّه أدري دراية صحيحة، جاءت بنا نصرانيّتك الزانية، عليك و
عليها لعنة اللّه. و خرج الآذن فأذن لنا، فدخلنا. فلما رأيت الرشيد تبسّمت؛ فقال
لي: ما يضحكك؟ فأخبرته بقول ابن جامع؛ فقال:
صدق [5]، ما هو
إلا أن فقدتكم فاشتقت إلى ما كنّا فيه، فعودوا بنا، فعدنا فيه حتى انقضى مجلسنا و
انصرفنا.
[1]
دير القائم الأقصى: على شاطئ الفرات من جانبه الغربي في طريق الرقة. و ذكر ياقوت
في «معجمه» و ابن فضل اللّه العمري في «مسالك الأبصار» بعد تعريفهما لهذا الدير
قالا: «قال أبو الفرج: و قد رأيته، و هو مرقب من المراقب التي كانت بين الروم و
الفرس، على أطراف الحدود». و فيهما أن هذه الأبيات لعبد اللّه بن مالك المغني، و
قال الخالدي: هي لإسحاق الموصليّ.
[2] دابق:
قرية قرب حلب من أعمال عزاز، بينها و بين حلب أربعة فراسخ.