دعينا اليوم؛ فقلت: لا! و لكن غنّه بهذا الشعر، فإنه سيبعثه على أن
يسألك: لمن هذا؛ فإذا سألك انفتح لك ما تريد، و كان الجواب أسهل عليك من الابتداء؛
فقال: هات، فألقيت عليه لحني في شعري:
- الغناء لإسحاق رمل بالوسطى عنه و عن عمرو-
قال: فمضى علّويه، فلما استقرّ به المجلس، غنّاه بالشعر الذي أمرته؛ فما عدا
المأمون أن يسمع الغناء حتى قال: ويحك يا علّويه! لمن هذا؟ قال: يا سيّدي، لعبد من
عبيدك جفوته و اطّرحته من غير جرم؛ فقال: أ إسحاق تعني؟ قال: نعم؛ قال: يحضر
الساعة؛ فجاءني رسوله/ فصرت إليه. فلمّا دخلت عليه قال: ادن فدنوت، فرفع يديه
مادّهما، فانكببت عليه، و احتضنني بيديه، و أظهر من برّي و إكرامي ما لو أظهره
صديق مؤانس لصديقه لبرّه.
غنى المعتضد
بشعر له فمدحه:
أخبرني محمد بن
إبراهيم الجرجاني قريض قال: قال لي أحمد بن أبي العلاء:
غنّيت المعتضد
يوما و هو أمير صوت إسحاق:
يا سرحة الماء قد سدّت موارده
أما إليك طريق غير مسدود
فطرب و استعاده
مرارا، و قال: هذا و اللّه الغناء الذي يخالط الرّوح و يمازج اللحم و الدم.
صوته في شعر
له، كان الناس يتهادونه كالطرف:
أخبرنا يحيى بن
عليّ قال حدّثنا أبو العبيس بن حمدون قال أخبرني أبي قال:
لمّا غنّى
إسحاق في شعره هذا:
صوت
لأسماء رسم عفا باللّوى
أقام رهينا لطول البلى
تعاوره الدهر في صرفه
بكرّ الجديدين حتّى عفا
- الشعر لإسحاق من قصيدة مدح بها الرشيد، و
الغناء له ثاني ثقيل بالوسطى. و فيه لسليم ثقيل أوّل من رواية الهشاميّ، و ذكر حبش
أنه لإبراهيم بن المهديّ- قال: فكان الناس يتهادونه كما يتهادون الطّرفة و الباكورة.
و قال أبو العبيس حدّثني ابن مخارق: أنّ الواثق بعث إلى أبيه مخارق لمّا صنع إسحاق
هذا الصوت ليلقيه عليه، فصادفه عليلا
[1]
سرحة الماء: كنى بها هنا عن المرأة، قال الأزهري: «العرب تكنى عن المرأة بالسرحة
النابتة على الماء»، و استشهد بهذين البيتين.
و المحلأ:
المطرود عن الماء، يقال: حلأه عن الماء: إذا طرده و منعه وروده.
[2] كذا في
أكثر الأصول. و في ب، س: «لا حوام له». و لم نجد الحوام مصدرا من مصادر حام. و في
«اللسان» و «مختار الأغاني»: «لا حراك به».