شوّش عودا في مجلس المعتصم و تحدّى ابن المهدي أن يضرب به ثم أظهر
هو براعة فائقة:
حدّثني عميّ
قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن مروان قال قال لي يحيى بن
معاذ:
كان إسحاق
الموصليّ و إبراهيم بن المهديّ إذا خلوا فهما أخوان، و إذا التقيا عند خليفة
تكاشحا أقبح تكاشح؛ فاجتمعا يوما عند المعتصم؛ فقال لإسحاق: يا إسحاق، أن إبراهيم
يثلبك و يغضّ منك و يقول: إنك تقول: إنّ مخارقا لا يحسن شيئا/ و يتضاحك منك؛ فقال
إسحاق: لم أقل يا أمير المؤمنين: إن مخارقا لا يحسن شيئا، و كيف أقول ذلك و هو تلميذ
أبي و تخريجه و تخريجي! و لكن قلت: إنّ مخارقا يملك من صوته ما لا يملكه أحد،
فيتزايد فيه تزايدا لا يبقي عليه و يتغيّر في كل حال، فهو أحلى الناس مسموعا و
أقلّه نفعا لمن يأخذ عنه، لقلّة ثباته على شيء واحد. و لكنّي أفعل الساعة فعلا إن
زعم إبراهيم أنه يحسنه فلست أحسن شيئا، و إلّا فلا ينبغي له أن يدّعي ما ليس
يحسنه. ثم أخذ عودا فشوّش أوتاره، ثم قال لإبراهيم: غنّ على هذا أو يغنّي غيرك و
تضرب عليه؛ فقال المعتصم: يا إبراهيم، قد سمعت، فما عندك؟ قال: ليفعله هو إن كان
صادقا؛ فقال له إسحاق: غنّ حتى أضرب عليك فأبى؛ فقال لزرزور: غنّ فغنّى و إسحاق
يضرب عليه حتى فرغ من الصوت ما علم أحد أنّ/ العود مشوّش. ثم قال: هاتوا عودا آخر؛
فشوّشه و جعل كلّ وتر منه في الشدّة و اللين على مقدار العود المشوّش الأوّل حتى
استوفى؛ ثم قال لزرزور: خذ أحدهما فأخذه، ثم قال: انظر إلى يدي و اعمل كما أعمل و
اضرب ففعل؛ و جعل إسحاق يغنّي و يضرب و زرزور ينظر إليه و يفعل كما يفعل؛ فما ظنّ
أحد أن في العود [ين] [1] شيئا من الفساد لصحة نغمهما جميعا إلى أن فرغ من الصوت.
ثم قال لإبراهيم: خذ الآن أحد العودين، فاضرب به مبدأ أو عمود طريقة أو كيف شئت إن
كنت تحسن شيئا؛ فلم يفعل و انكسر انكسارا شديدا؛ فقال له المعتصم: أ رأيت مثل هذا
قطّ؟ قال: لا، و اللّه ما رأيت و لا ظننت أنّ مثله يكون.
أعجبه يوم
فتمثل فيه بشعر:
حدّثني أبو عبد
اللّه محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل قال:
/ دعاني إسحاق
يوما، فمضيت إليه و عنده الزّبير بن دحمان و علّويه و حسين بن الضحّاك، فمرّ لنا
أحسن يوم؛ فالتفت إليّ إسحاق ثم قال: يومنا هذا و اللّه يا أبا العبّاس كما قال
الشاعر:
أنت و اللّه من الأي
ام لدن الطّرفين
كلّما قلّبت عينيّ
ففي قرّة عين
غنى الواثق
فشرب و خلع عليه:
أخبرني محمد بن
مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخلت يوما على
الواثق فقال لي: يا إسحاق، إني أصبحت اليوم قرما [2] إلى غنائك فغنّني؛ فغنّيته: