/ فقال له ابن الزبير: هوّن عليك أبا ليلى،
فإنّ الشعر أهون و سائلك عندنا، أمّا صفوة ما لنا فلآل الزبير، و أما عفوته [4]
فإنّ بني [5] أسد بن عبد العزّى تشغلها عنك و تيما معها، و لكن لك في مال اللّه
حقّان: حقّ برؤيتك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و حقّ بشركتك أهل الإسلام
في فيئهم؛ ثم أخذ بيده فدخل به دار النّعم، فأعطاه قلائص [6] سبعا و جملا رجيلا [7]؛
و أوقر له الإبل برّا و تمرا و ثيابا، فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحبّ صرفا؛ فقال
ابن الزبير: ويح أبي ليلي! لقد بلغ به الجهد؛ فقال النابغة: أشهد أني سمعت رسول
اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «ما وليت قريش فعدلت و استرحمت فرحمت و حدّثت
فصدقت و وعدت خيرا فأنجزت فأنا و النبيّون فرّاط [8] القاصفين» و قال الحرميّ:
«فرّاط لها ضمن». قال الزّبيريّ: كتب يحيى بن معين هذا الحديث عن أخي.
ضربه أبو
موسى الأشعري أسواطا فهجاه:
أخبرني أبو
الحسن الأسديّ أحمد بن محمد بن عبد اللّه/ بن صالح و هاشم بن محمد الخزاعيّ أبو
دلف قالا حدّثنا الرّياشيّ قال قال أبو سليمان عن الهيثم بن عديّ [قال] [9]:
رعت بنو عامر
بالبصرة في الزرع، فبعث أبو موسى الأشعريّ في طلبهم، فتصارخوا: يا آل عامر، يا آل
عامر! فخرج النابغة الجعديّ و معه عصبة له؛ فأتي به إلى أبي موسى الأشعريّ، فقال
له: ما أخرجك؟ قال: سمعت داعية قومي؛ قال: فضربه أسواطا؛ فقال النابغة:
رأيت البكر بكر بني ثمود
و أنت أراك بكر الأشعرينا
[1]
أقحمته: ألقته و رمت به. و السنة: الجدب، أي أخرجه الجدب من البادية و أدخله الريف
حيث الخضرة و الماء.
[3] في ط، ء:
«ذعذعت» بالذال المعجمة و هي بمعنى «زعزعت».
[4] عبارة
ابن الأثير في «النهاية» (مادة عفا) و نقلها عنه صاحب «اللسان»: «... أنه قال
للنابغة: أما صفو أموالنا فلآل الزبير، و أما عفوه فإن تيما و أسدا تشغله عنك. قال
الحربيّ: العفو: أحل المال و أطيبه. و قال الجوهريّ: عفو المال ما يفضل عن النفقة.
و كلاهما جائز في اللغة و الثاني أشبه بهذا الحديث»، و هذا التوجيه الأخير لابن
الأثير. و أما عفوة المال و الطعام و الشراب (بالفتح) و عفوته (بالكسر عن كراع):
فهي خياره و ما صفا منه و كثر. و ظاهر أنها لا تلائم سياق الحديث، لذلك نرى أن
رواية النهاية في هذا الأثر أصح مما ورد في الأصول هنا.
[5] بنو أسد:
قبيلة منها الزبير بن العوّام والد عبد اللّه هذا. و تيم: قبيلة منها أبو بكر
الصدّيق رضوان اللّه عليه و هو جدّ ابن الزبير لأمه.
[6] القلائص:
جمع قلوص و هي الشابة من الإبل بمنزلة الجارية من النساء.
[7] في ح:
«رحيلا» بالحاء المهملة، و الرجيل و الرحيل من الإبل: القوي على السير.
[8] كذا في
«النهاية» في «غريب الحديث» و «الدر النثير» للسيوطي (مادتي فرط و قصف)، و فيه
رواية أخرى أشار إليها السيوطي في «الدر النثير» (مادة قصف) و هي «فراط القاصفين»،
و بهذه الرواية ورد الحديث في م «و اللسان» (مادتي فرط و قصف). و قد وردت كلمة
«القاصفين» في أكثر الأصول هاهنا مضطربة، ففي ط، ء: «فرّاط لها ضفن و قال الحرميّ
... إلخ». و في باقي الأصول: «فراط لها ضمين و قال الحرميّ ... إلخ». الفرّاط:
المتقدمون إلى الشفاعة أو إلى الحوض. و القاصفون: المزدحمون. و ضمن: كافلون.