عندهم يترجمون لهم كتب الموسيقى، فإذا خرج إليك منها شيء فأعطنيه؛
فوعدته بذلك، و مات قبل أن يخرج إليه شيء منها. و إنما ذكرت هذا بتمام أخباره
كلّها و محاسنه و فضائله، لأنه من أعجب شيء يؤثر عنه: أنه استخرج بطبعه علما
رسمته الأوائل لا يوصل إلى معرفته إلا بعد علم كتاب إقليدس الأوّل في الهندسة ثم
ما بعده من الكتب الموضوعة في الموسيقى، ثم تعلّم ذلك و توصّل إليه و استنبطه
بقريحته، فوافق ما رسمه أولئك، و لم يشذّ عنه شيء يحتاج إليه منه، و هو لم يقرأه
و لا [1] له مدخل إليه و لا عرفه، ثم تبيّن بعد هذا، بما أذكره من أخباره و
معجزاته في صناعته، فضله على أهلها كلّهم و تميّزه عنهم، و كونه سماء هم أرضها، و
بحرا هم جداوله.
اسم أمه و
جنسها:
و أمّ إسحاق
امرأة من أهل الرّيّ يقال لها شاهك؛ و ذكر قوم أنها دوشار التي كانت تغنّى/
بالدّفّ، فهويها إبراهيم و تزوّجها. و هذا خطأ، تلك لم تلد من إبراهيم إلا بنتا، و
إسحاق و سائر ولد إبراهيم من شاهك هذه.
برنامج
دراسته اليومي:
أخبرني يحيى بن
عليّ المنجم قال أخبرني أبي عن إسحاق قال:
بقيت دهرا من
دهري أغلّس في كلّ يوم إلى هشيم فأسمع منه، ثم أصير إلى الكسائيّ أو الفرّاء أو
ابن غزالة [2] فأقرأ عليه جزءا من القرآن، ثم آتي منصور/ زلزل [3] فيضار بني طرقين
[4] أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة [5] بنت شهدة فآخذ منها صوتا أو صوتين، ثم آتي
الأصمعيّ و أبا عبيدة فأناشدهما و أحدّثهما فأستفيد منهما، ثم أصير إلى أبي فأعلمه
ما صنعت و من لقيت و ما أخذت و أتغدّى معه، فإذا كان العشاء رحت إلى أمير المؤمنين
الرشيد.
تعلم الضرب
بالعود من زلزل:
أخبرنا محمد بن
مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أخذ منّي منصور
زلزل إلى أن تعلّمت مثل ضربه بالعود أكثر من مائة ألف درهم.
جاء إلى ابن
عائشة فأكرمه:
أخبرنا محمد بن
العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال:
كنت عند ابن
عائشة فجاءه أبو محمد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فرحّب به و قال: هاهنا يا أبا
محمد إلى جنبي، فلئن بعّدت بيننا الأنساب، لقد قرّبت بيننا الآداب.
[1]
كذا في ب، س. و في سائر الأصول: «و هو لم يقرأه و لا المدخل إليه ... إلخ».
[2] كذا في
جميع الأصول. و قد جاء في «شرح القاموس» (مادة غزل): «و عبد الواحد بن أحمد بن
غزال مقرئ».
[3] كذا في
أكثر الأصول. و في ب، س: «ثم آتي منصورا زلزلا». و إذا اجتمع علمان لمسمى واحد
جازت الإضافة و الاتباع على أن يكون الثاني بدلا أو عطف بيان.
[4] كذا في
أ، م. و الطرق (بالفتح): صوت أو نغمة بالعود و نحوه، يقال: تضرب هذه الجارية كذا
طرفا. و في ب، س، ح: «طرفين» بالفاء. و في ء: «طريقين»، و كلاهما تحريف.
[5] عاتكة
بنت شهدة: إحدى المغنيات المحسنات، و أمها جارية الوليد بن يزيد و كانت مغنية
أيضا. (انظر الكلام عليها في «الأغاني» ج 6 ص 57 طبع بولاق).