عند الخاصّ و العامّ؟ فغاظني قوله، ثم سهّلت على نفسي أمره فأخذت
العود فجسسته ثم ضربت فغنّيت؛ فقال:
أحسنت يا
إبراهيم؛ فازداد غيظي و قلت: ما رضي بما فعله من دخوله عليّ بغير إذن و اقتراحه أن
أغنيه حتى سمّاني و لم يكنّني و لم يجمل مخاطبتي!. ثم قال: هل لك أن تزيدنا؟
فتذمّمت [1] فأخذت العود فغنّيت؛ فقال: أجدت يا أبا إسحاق!/ فأتم [2] حتى نكافئك و
نغنّيك؛ فأخذت العود و تغنّيت و تحفّظت و قمت بما غنّيته إياه [قياما] [3] تامّا
ما تحفّظت مثله و لا قمت بغناء كما قمت به له بين يدي خليفة قطّ و لا غيره، لقوله
لي: أكافئك؛ فطرب و قال:
أحسنت [4] يا
سيّدي، ثم قال: أ تأذن لعبدك بالغناء؟ فقلت: شأنك، و استضعفت عقله في أن يغنّيني
بحضرتي بعد ما سمعه منّي؛ فأخذ العود و جسّه و حبسه، فو اللّه لخلته ينطق بلسان
عربيّ لحسن ما سمعته من صوته [5]، ثم تغنّى:
قال إبراهيم:
فو اللّه لقد ظننت الحيطان و الأبواب و كلّ ما في البيت يجيبه و يغنّي معه من حسن
غنائه، حتى خلت و اللّه أنّي أسمع أعضائي [7] و ثيابي تجاوبه، و بقيت مبهوتا لا
أستطيع الكلام و لا الجواب و لا الحركة لما خالط قلبي؛ ثم غنّى:
صوت
ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة
فإنّي إلى أصواتكنّ حزين
فعدن فلما عدن كدن يمتنني
و كدت بأسراري لهنّ أبين
/ دعون
بترداد الهدير كأنما
سقين حميّا أو بهنّ جنون
فلم تر عيني مثلهنّ حمائما
بكين و لم تدمع لهنّ عيون
- لم أعرف في هذه الأبيات لحنا ينسب إلى
إبراهيم، و الذي عرفته لمحمد بن الحارث بن بُسخُنَّر [8] خفيف رمل- فكاد، و اللّه
أعلم، عقلي أن يذهب طربا و ارتياحا لما سمعت؛ ثم غنّى:
[1]
تذمم الرجل: استنكف، يقال: لو لم أترك الكذب تأثما لتركته تذمما، أي مجانبة للذم.
[2] في ط، ء
و «مختار الأغاني»: «فأتمم هزارك». و الهزار: كلمة فارسية من معانيها الأنشودة و
المقطوعة.
[7] كذا في
ط، ء. و في سائر الأصول: «أني و عظامي و ثيابي ... إلخ».
[8] كذا في
ط، ء. و قد صححه الأستاذ الشنقيطي في عدّة مواضع بنسخته الخاصة المحفوظة بدار الكتب
المصرية تحت رقم (144 أدب ش). و قد ورد في سائر الأصول: «بشخير» و هو تصحيف.