كان [1] لي و أنا صبيّ عقعق [2] قد ربّيته و كان يتكلّم بكلّ شيء
سمعه، فسرق خاتم ياقوت كان لأبي [3] قد وضعه على تكأته و دخل الخلاء ثم خرج و لم
يجده، فطلبه و ضرب غلامه الذي كان واقفا، فلم يقف له على خبر؛ فبينا أنا ذات يوم
في دارنا إذ أبصرت العقعق قد نبش ترابا فأخرج الخاتم منه و لعب به طويلا، ثم ردّه
فيه و دفنه، فأخذته و جئت به إلى أبي، فسرّ بذلك و قال يهجو العقعق:
قصته مع ابن
جامع بين يدي الرشيد و ما كان منه في رضا الرشيد عن محمد الزف:
أخبرني الحسن
بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن المكّيّ، و ذاكرت أبا
أحمد بن جعفر جحظة بهذا الخبر فقال حدّثني به محمد بن أحمد بن يحيى المكي/ المرتجل
[5] عن أبيه عن جدّه، و وجدت هذا الخبر في بعض الكتب عن عليّ بن محمد بن نصر عن
جدّه حمدون بن إسماعيل فجمعت الروايات كلّها:
/ أنّ الرشيد
قال يوما لجعفر بن يحيى: قد طال سماعنا هذه العصابة على اختلاط الأمر فيها فهلمّ
أقاسمك إياها و أخايرك، فاقتسما المغنّين، على أن جعلا بإزاء كل رجل نظيره، و كان
ابن جامع في حيّز الرشيد و إبراهيم في حيّز جعفر بن يحيى، و حضر الندماء لمحنة [6]
المغنّين، و أمر الرشيد ابن جامع فغنّى صوتا أحسن فيه كلّ الإحسان و طرب الرشيد
غاية الطرب، فلما قطعه قال الرشيد لإبراهيم: هات يا إبراهيم هذا الصوت فغنّه؛
فقال: لا و اللّه يا أمير المؤمنين ما أعرفه، و ظهر الانكسار فيه؛ فقال الرشيد
لجعفر: هذا واحد، ثم قال لإسماعيل بن جامع: غنّ يا إسماعيل، فغنّى صوتا ثانيا أحسن
من الأول و أرضى في كل حال، فلما استوفاه قال الرشيد لإبراهيم: هاته يا إبراهيم،
قال: و لا أعرف هذا؛ فقال: هذان اثنان، غنّ يا إسماعيل، فغنّى ثالثا يتقدّم
الصوتين الأوّلين و يفضلهما، فلما أتى على آخره، قال: هاته يا إبراهيم، قال: و لا
أعرف هذا أيضا؛ فقال له جعفر: أخزيتنا أخزاك اللّه. قال: و أتمّ ابن جامع يومه و
الرشيد مسرور به، و أجازه بجوائز كثيرة و خلع عليه خلعا فاخرة، و لم يزل إبراهيم
منخذلا منكسرا حتى انصرف. قال: فمضى إلى منزله، فلم يستقرّ فيه حتى بعث إلى محمد المعروف
بالزّف [7]، و كان محمد من المغنّين المحسنين، و كان أسرع من عرف في أيامه في أخذ
صوت يريده أخذه، و كان الرشيد قد وجد عليه في بعض ما يجده الملوك على أمثاله
فألزمه بيته و تناساه؛ فقال إبراهيم للزّف: إني اخترتك على من هو