و نقول: ليت شعري ما صنع؟
إذ طلع علينا في حلّة أفواف [1]، قد أرخى غديرته، حتى جلس في مجلسه بالأمس، ثم
قال: ما فعل الأنصاري؟ فنلنا منه، و شتمناه، فقال: قاتله اللّه: ما منيت بمثله، و
لا سمعت بمثل شعره، فارقته، و أتيت منزلي، فأقبلت أصعّد و أصوّب في كل فن من الشعر،
فكأني مفحم لم أقل شعرا قط، حتى إذا نادى المنادى بالفجر رحلت ناقتي، و أخذت
بزمامها حتى أتيت ريّانا [2]، و هو جبل بالمدينة، ثم ناديت بأعلى صوتي: أخاكم
أخاكم، يعني شيطانه، فجاش صدري كما يجيش المرجل، فعقلت ناقتي و توسدت ذراعها، فما
عتمت [3] حتى قلت مائة بيت من الشعر و ثلاثة عشر بيتا، فبينا هو ينشد إذ طلع
الأنصاري، حتى إذا انتهى إلينا سلم علينا، ثم قال:
إني لم آتك لأعجلك عن
الأجل الذي وقّتّه لك، و لكني أحببت ألا أراك إلا سألتك: إيش [4] صنعت؟ فقال:
/ و أنشدها الفرزدق، حتى بلغ إلى آخرها، فقام الأنصاري كئيبا،
فلما توارى طلع أبوه أبو بكر بن خزم في مشيخة من الأنصار، فسلموا عليه، و قالوا:
يا أبا فراس، قد عرفت حالنا و مكاننا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و قد
بلغنا أن سفيها من سفهائنا ربما تعرض لك، فنسألك بحق اللّه و حق رسوله لما حفظت
فينا وصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و وهبتنا له، و لم تفضحنا.
قال محمد بن إبراهيم:
فأقبلت عليه أكلمه، فلما أكثرنا عليه، قال: اذهبوا، فقد وهبتكم لهذا القرشي.
[قال
سليمان بن عبد الملك للفرزدق: أنشدني أجود شعر عملته، فأنشده:
[2]
هكذا في ب «ريانا» و الصواب «ريان» بالمنع من الصرف، لأنه من الري و ربما كان من
الرين، فتكون نونه أصلية، و حينئذ فلا مانع من صرفه، و في «المختار»: «ذبابا» بدل «ريانا».