لما طردني زياد أتيت
المدينة و عليها مروان بن الحكم، فبلغه أني خرجت من دار ابن صياد، و هو رجل يزعم
أهل المدينة أنه الدّجال، فليس يكلمه أحد، و لا يجالسه أحد، و لم أكن عرفت خبره،
فأرسل إليّ مروان فقال:
أ تدري ما مثلك؟ حديث تحدث
به العرب: أن ضبعا مرت بحي قوم، و قد رحلوا، فوجدت مرآة، فنظرت وجهها فيها، فلما
نظرت قبح وجهها ألقتها، و قالت: من شرّ ما اطّرحك أهلك، و لكن من شر ما اطّرحك
أميرك [1]، فلا تقيمنّ بالمدينة بعد ثلاثة أيام، قال: فخرجت أريد اليمن، حتى إذا
صرت بأعلى ذي قسيّ- و هو طريق اليمن من البصرة- فإذا رجل مقبل، فقلت: من أين أوضع
الراكب [2]؟ قال: من البصرة، قلت: فما الخبر وراءك؟ قال: أتانا أن زيادا مات
بالكوفة، قال: فنزلت عن راحلتي، فسجدت، و قلت: لو رجعت، فمدحت عبيد اللّه بن زياد،
و هجوت مروان بن الحكم، فقلت:
و مضيت لوجهي، حتى وطئت
بلاد بني عقيل فوردت ما بين مياههم [4] فإذا بيت عظيم و إذا فيه امرأة سافرة لم أر
كحسنها و هيئتها قط، فدنوت، فقلت: أ تأذنين/ في الظل؟ قالت: أنزل فلك الظّل و
القرى، فأنخت، و جلست إليها، قال: فدعت جارية لها سوداء كالراعية، فقالت: ألطفيه
[5] شيئا و اسعي إلى الرّاعي، فردّي عليّ شاة، فاذبحيها له، و أخرجت إليّ تمرا و
زبدا، قال: و حادثتها فو اللّه ما رأيت مثلها قطّ، ما أنشدتها شعرا إلا أنشدتني
أحسن منه، قال: فأعجبني المجلس و الحديث إذ أقبل رجل بين بردين، فلما رأته رمت
ببرقعها على وجهها، و جلس [6] و أقبلت عليه بوجهها و حديثها، فدخلني من ذلك غيظ،
فقلت للحين: هل لك في الصراع؟ فقال: سوأة لك [7]، إنّ الرجل لا يصارع ضيفه، قال:
فألححت عليه، فقالت له: ما عليك لو لا عبت ابن عمك؟ فقام، و قمت، فلما رمى ببرده،
إذا خلق عجيب، فقلت: هكلت و ربّ الكعبة، فقبض على يدي، ثم اختلجني [8] إليه، فصرت
في صدره، ثم حملني، قال: فو اللّه ما اتّقيت الأرض إلا بظهر كبدي و جلس على صدري،
فما ملكت نفسي أن ضرطت ضرطة منكرة، قال: و ثرت إلى جملي فقال: أنشدك اللّه [9]،
فقالت المرأة: عافاك اللّه الظلّ [10] و القرى، فقلت: أخزى اللّه ظلّكم و قراكم، و
مضيت، فبينا أسير إذ لحقني الفتى على نجيب يجنب بختيّا [11] برحله
[1]
«و
لكن من شر ما اطرحك أميرك»: كلام جديد
ليس من تتمة المثل، و لعل مروان يعني أن الفرزدق كالمرآة التي ترى القبيح قبحه، و
ذلك لكثرة أحاجيه و ذكره معايب الناس.