responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 21  صفحة : 194

مررت بالفرزدق، و قد كنت دوّنت شيئا من شعره و شعر جرير، و بلغه ذلك، فاستجلسني، فجلست إليه، و عذت باللّه من شره، و جعلت أحدثه/ حديث أبيه و أذكر له ما يعجبه، ثم قلت له: إني لأذكر يوم لقّبك بالفرزدق، قال: و أي يوم؟ قلت: مررت به و أنت صبيّ، فقال له بعض من كان يجالسه: كأنّ ابنك هذا الفرزدق دهقان الحيرة في تيهه و أبّهته، فسمّاك بذلك، فأعجبه هذا القول، و جعل يستعيد، ثم قال: أنشدني بعض أشعار ابن المراغة فيّ، فجعلت أنشده، حتى انتهيت، ثم قال: فأنشد نقائضها التي أجبته بها، فقلت:/ ما أحفظها، فقال: يا خالد، أتحفظ ما قاله فيّ و لا تحفظ نقائضه؟ و اللّه لأهجونّ كلبا هجاء يتصل عاره بأعقابها إلى يوم القيامة، إن لم تقم حتى تكتب نقائضها أو تحفظها و تنشدينها، فقلت: أفعل فلزمته شهرا، حتى حفظت نقائضها، و أنشدته إياها خوفا من شره.

يكايد النوار بحدراء فتستعدي عليه جريرا

: أخبرني عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: حدثني الأصمعي قال:

تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس الشيباني، و خاصمته النّوار و أخذت بلحيته، فجاذبها و خرج عنها مغضبا و هو يقول:

قامت نوار إليّ تنتف لحيتي‌

تنتاف جعدة لحية الخشخاش‌

كلتاهما أسد إذا ما أغضبت‌

و إذا رضين فهنّ خير معاش‌

قال: و الخشخاش رجل من عنزة، و جعدة امرأته، فجاءت جعدة إلى النّوار، فقالت: ما يريد مني الفرزدق؟

أ ما وجد لامرأته أسوة غيري.

و قال الفرزدق للنوار يفضّل عليها حدراء.

لعمري لأعرابيّة في مظلّة

تظلّ بروقي بيتها الريح تخفق [1]

أحبّ إلينا من ضناك ضفنّة

إذا وضعت عنها المراويح تعرق [2]

كريم غزال أو كدرّة غائص‌

تكاد- إذا مرت- لها الأرض تشرق‌

/ فلما سمعت النوار ذلك أرسلت إلى جرير، و قالت للفرزدق: و اللّه لأخزينّك يا فاسق فجاء جرير، فقالت له: أما ترى ما قال الفاسق، و شكته إليه، و أنشدته شعره، فقال جرير: أنا أكفيك، و أنشأ يقول:

و لست بمطي الحكم عن شفّ منصب‌

و لا عن بنات الحنظليّين راغب [3]

و هنّ كماء المزن يشفى به الصّدى‌

و كانت ملاحا غيرهنّ المشارب [4]


[1] روقي: تثنية روق، و من معانيه رواق البيت.

[2] الضناك: الموثق الخلق الشديد (يستوي فيه المذكر و المؤنث). الضفنة: الحمقاء الكثيرة اللحم، يقول: إن أعرابية- يقصد حدراء- تخفق في بيتها الريح أحب من النوار الشديدة الخلق الحمقاء المترهلة التي يتفصد جسمها عرقا إذا لم تسعفها المراوح.

[3] الشف: الفضل، يقول: إنك لم تعط الحكم على النساء و المفاضلة بينهن، فليس لك منصب فاضل يؤهلك لذلك، و ليس ثمة من يرغب عن بنات الحنظليين اللاتي منهن نوار.

[4] ملاحا: من الملوحة لا الملاحة، يقول: إن بنات الحنظليين يروين غلة الظمآن كما ترويه مياه المطر، و غيرهن يروون الظمآن ظمأ لملوحة مائهن.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 21  صفحة : 194
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست