مررت بالفرزدق، و قد كنت دوّنت
شيئا من شعره و شعر جرير، و بلغه ذلك، فاستجلسني، فجلست إليه، و عذت باللّه من
شره، و جعلت أحدثه/ حديث أبيه و أذكر له ما يعجبه، ثم قلت له: إني لأذكر يوم لقّبك
بالفرزدق، قال: و أي يوم؟ قلت: مررت به و أنت صبيّ، فقال له بعض من كان يجالسه:
كأنّ ابنك هذا الفرزدق دهقان الحيرة في تيهه و أبّهته، فسمّاك بذلك، فأعجبه هذا
القول، و جعل يستعيد، ثم قال: أنشدني بعض أشعار ابن المراغة فيّ، فجعلت أنشده، حتى
انتهيت، ثم قال: فأنشد نقائضها التي أجبته بها، فقلت:/ ما أحفظها، فقال: يا خالد،
أتحفظ ما قاله فيّ و لا تحفظ نقائضه؟ و اللّه لأهجونّ كلبا هجاء يتصل عاره
بأعقابها إلى يوم القيامة، إن لم تقم حتى تكتب نقائضها أو تحفظها و تنشدينها،
فقلت: أفعل فلزمته شهرا، حتى حفظت نقائضها، و أنشدته إياها خوفا من شره.
يكايد النوار بحدراء
فتستعدي عليه جريرا
: أخبرني عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن حبيب،
قال: حدثني الأصمعي قال:
تزوج الفرزدق حدراء بنت
زيق بن بسطام بن قيس الشيباني، و خاصمته النّوار و أخذت بلحيته، فجاذبها و خرج
عنها مغضبا و هو يقول:
قامت نوار إليّ تنتف
لحيتي
تنتاف جعدة لحية الخشخاش
كلتاهما أسد إذا ما
أغضبت
و إذا رضين فهنّ خير معاش
قال: و الخشخاش رجل من
عنزة، و جعدة امرأته، فجاءت جعدة إلى النّوار، فقالت: ما يريد مني الفرزدق؟
/ فلما سمعت النوار ذلك أرسلت إلى جرير، و قالت
للفرزدق: و اللّه لأخزينّك يا فاسق فجاء جرير، فقالت له: أما ترى ما قال الفاسق، و
شكته إليه، و أنشدته شعره، فقال جرير: أنا أكفيك، و أنشأ يقول:
[2]
الضناك: الموثق الخلق الشديد (يستوي
فيه المذكر و المؤنث). الضفنة: الحمقاء الكثيرة اللحم، يقول: إن أعرابية- يقصد
حدراء- تخفق في بيتها الريح أحب من النوار الشديدة الخلق الحمقاء المترهلة التي
يتفصد جسمها عرقا إذا لم تسعفها المراوح.
[3]
الشف: الفضل، يقول: إنك لم تعط الحكم
على النساء و المفاضلة بينهن، فليس لك منصب فاضل يؤهلك لذلك، و ليس ثمة من يرغب عن
بنات الحنظليين اللاتي منهن نوار.
[4]
ملاحا: من الملوحة لا الملاحة، يقول:
إن بنات الحنظليين يروين غلة الظمآن كما ترويه مياه المطر، و غيرهن يروون الظمآن
ظمأ لملوحة مائهن.