من يشاء، ألا إنه لم يذلّ
و اللّه من كان الحق معه و إن كان مفردا ضعيفا، و لم يعزّ من كان الباطل معه، و إن
كان في العدّة و العدد و الكثرة، ثم قال: إنه قد أتانا خبر من العراق بلد الغدر و
الشقاق فساءنا و سرّنا، أتانا أن مصعبا قتل رحمة اللّه عليه و مغفرته، فأما الّذي
أحزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لذعة يجدها حميمه عند المصيبة، ثم يرعوي من بعد ذو
الرأي و الدين إلى جميل الصبر. و أما الّذي سرّنا منه فإنا قد علمنا أن قتله شهادة
له و أن اللّه عز و جل جاعل لنا و له ذلك خيرة إن شاء اللّه تعالى. إن أهل العراق
أسلموه و باعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه منه و أخسره، أسلموه إسلام/ النّعم المخطّم
[1] فقتل، و لئن قتل لقد قتل أبوه و عمّه و أخوه و كانوا الخيار الصالحين، إنا و
اللّه ما نموت حتف أنوفنا، ما نموت إلا قتلا، قعصا بين قصد [2] الرّماح و تحت ظلال
السّيوف و ليس كما يموت بنو مروان، و اللّه ما قتل رجل منهم في جاهلية و لا إسلام
قط، و إنما الدنيا عارية من الملك القهار، الّذي لا يزول سلطانه، و لا يبيد ملكه،
فإن تقبل الدنيا عليّ لا آخذها أخذ الأشر البطر، و إن تدبر عني لا أبك عليها بكاء
الخرف المهتر. ثم نزل.
قال: و قال عبد الملك يوما
لجلسائه: من أشجع الناس؟ فأكثروا في هذا المعنى، فقال: أشجع الناس مصعب بن الزبير،
جمع بين عائشة بنت طلحة و سكينة بنت الحسين و أمة [6] الحميد بنت عبد اللّه بن
عاصم، و ولي العراقين، ثم زحف إلى الحرب، فبذلت له الأمان/ و الحباء و الولاية و
العفو عمّا خلص في يده، فأبى قبول ذلك، و اطّرح كل/ ما كان مشغوفا [7] به من ماله
و أهله وراء ظهره، و أقبل بسيفه قرما [8] يقاتل و ما بقي معه إلا سبعة نفر حتى قتل
كريما.