فقالت له سلمى: إني قد
استخرت اللّه و رضيت بعهدك، فأطلقته و قالت: أمّا الفرس فلا أعيرها، و رجعت إلى
بيتها، فاقتادها أبو محجن و أخرجها من باب القصر الّذي يلي الخندق، فركبها ثم دبّ
عليها، حتى إذا كان بحيال الميمنة، و أضاء النّهار، و تصافّ النّاس، كبّر، ثم حمل
على ميسرة القوم فلعب برمحه و سلاحه/ بين الصّفّين، ثم رجع من خلف المسلمين إلى
القلب فبدر [3] أمام الناس، فحمل على القوم فلعب بين الصّفّين برمحه و سلاحه، و
كان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا؛ فعجب الناس منه و هم لا يعرفونه و لم يروه
بالأمس، فقال بعض القوم: هذا من أوائل أصحاب هشام بن عتبة أو هشام بنفسه. و قال
قوم: إن كان الخضر يشهد الحروب فهو صاحب البلقاء. و قال آخرون: لو لا أنّ الملائكة
لا تباشر القتال ظاهرا لقلنا هذا ملاك بيننا؛ و جعل سعد يقول- و هو مشرف ينظر
إليه-: الطّعن طعن أبي محجن، و الضّبر ضبر البلقاء [4]. و لو لا محبس أبي محجن
لقلت: هذا أبو محجن و هذه البلقاء، فلم يزل يقاتل حتى انتصف الليل، فتحاجز أهل
العسكرين و أقبل أبو محجن حتى دخل القصر، و وضع عن نفسه و دابّته، و أعاد رجليه في
القيد، و أنشأ يقول: