فاتصلت الأبيات و خبرها
بحزام، فخشي أن تشتهر و يسمعها المعتصم فيأتي عليه؛ فبعث بالغلام إلى عبد اللّه، و
سأله أن يمسك عن الأبيات، ففعل.
إبراهيم الموصلي يغني
أمام الرشيد لحنا من صنعته فيرسل إليه و يلازمه
حدّثني الصّوليّ، قال:
حدّثني الحسين بن يحيى، قال: قلت لعبد اللّه بن العبّاس: إنه بلغني لك خبر مع
الرّشيد أول ما شهرت بالغناء،/ فحدّثني به، قال: نعم أول صوت صنعته:
أتاني يؤامرني في
الصّبو
ح ليلا فقلت له: غادها
فلما تأتّى [2] لي و ضربت
عليه بالكنكلة؛ عرضته على جارية لنا يقال لها راحة، فاستحسنته و أخذته عنّي، و
كانت تختلف إلى إبراهيم الموصليّ، فسمعها يوما تغنّيه و تناغي [3] به جارية من
جواريه، فاستعادها إيّاه و أعادته عليه، فقال لها: لمن هذا؟ فقالت: صوت قديم، فقال
لها: كذبت، لو كان قديما لعرفته، و ما زال يداريها و يتغاضب عليها حتى اعترفت له
بأنّه من صنعتي، فعجب من ذلك، ثم غنّاه يوما بحضرة الرشيد، فقال له: لمن هذا
اللّحن يا إبراهيم؟ فأمسك عن الجواب و خشي أن يكذبه فينمي الخبر إليه من غيره، و
خاف من جدّي أن يصدقه، فقال له: ما لك/ لا تجيبني؟ فقال: لا يمكنني يا أمير
المؤمنين، فاستراب بالقصّة، ثم قال: و اللّه، و تربة المهديّ لئن لم تصدقني
لأعاقبنّك عقوبة موجعة، و توهّم أنّه لعليّة أو لبعض حرمه فاستطير غضبا، فلما رأى
إبراهيم الجدّ منه صدقه فيما بينه و بينه سرّا، فدعا لوقته الفضل بن الرّبيع ثم
قال له: أ يصنع ولدك غناء و يرويه الناس و لا تعرّفني؟
فجزع و حلف بحياته و بيعته
أنه ما عرف ذلك قطّ، و لا سمع به إلا في وقته ذلك، فقال له: ابن [4] ابنك عبد
اللّه بن العبّاس أحضرنيه السّاعة، فقال: أنا أمضي و أمتحنه، فإن كان يصلح للخدمة
أحضرته، و إلّا كان أمير المؤمنين أولى من ستر عورتنا، فقال: لا بدّ من إحضاره. فجاء
جدّي فأحضرني و تغيّظ عليّ، فاعتذرت و حلفت له أن هذا شيء ما تعمّدته، و إنما
غنّيت لنفسي، و ما أدري من أين خرج، فأمر بإحضار عود فأحضر، و أمرني فغنّيته
الصوت، فقال:
قد عظمت مصيبتي فيك يا
بنيّ، فحلفت له بالطلاق و العتاق ألّا أقبل على الغناء رفدا أبدا، و لا أغنّي إلا
خليفة أو وليّ عهد، و من لعلّه أن يكون حاضرا مجالسهم، فطابت نفسه. فأحضرني [5]،
فغنّيت الرشيد الصوت فطرب و شرب عليه أقداحا، و أمرني بالملازمة مع الجلساء، و جعل
لي نوبة، و أمر بحمل عشرة آلاف دينار إلى جدّي، و أمره أن يبتاع ضيعة لي بها،
فابتاع لي ضيعتي بالأهواز، و لم أزل ملازما للرّشيد حتى خرج إلى خراسان، و تأخرت
عنه و فرّق الموت بيننا.