قال: فلما أخذوا الدّية
انطلقت فزارة فاشترت خيلا و سلاحا، ثم استتبعت سائر قبائل قيس، ثم أغارت على ماء
يدعى بنات قين، يجمع بطونا من بطون كلب كثيرة و أكثر من عليه بنو عبد ودّ و بنو
عليم بن جناب، و على قيس يومئذ سعيد بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، و حلحلة [1]
بن قيس بن الأشيم بن يسار أحد بني العشراء [2]، فلما أغاروا نادوا بني عليم: إنا
لا نطلبكم بشيء، و إنما نطلب بني عبد ودّ بما صنع الدّليلان اللّذان حملا حميدا،
و هما المأمور و رجل آخر اسمه أبو أيّوب، فقتل من العبديّين تسعة عشر [3] رجلا، ثم
مالوا على العليميّين فقتلوا منهم خمسين رجلا، و ساقوا أموالا.
موقف عبد الملك بن مروان
و عرضه الدية
فبلغ الخبر عبد الملك،
فأمهل حتى إذا ولي الحجّاج العراق كتب إليه يبعث إليه سعيد بن عيينة و حلحلة بن
قيس و معهما نفر من الحرس، فلما قدم بهما عليه قذفهما في/ السّجن و قال لكلب: و
اللّه لئن قتلتم رجلا لأهريقنّ دماءكم، فقدم عليه من بني عبد ودّ عياض و معاوية
ابنا ورد، و نعمان بن سويد، و كان سويد أبوه ابن مالك يومئذ أشرف من قتل يوم بنات
قين، و كان شيخ بني عبد ودّ، فقال/ له النّعمان: دماءنا يا أمير المؤمنين، فقال له
عبد الملك: إنما قتل منكم الصّبيّ الصّغير و الشيخ الفاني، فقال النّعمان: قتل منا
و اللّه من لو كان أخا لأبيك لاختير عليك في الخلافة، فغضب عبد الملك غضبا شديدا،
فقال له معاوية و عياض: يا أمير المؤمنين، شيخ كبير موتور.
فأعرض عنه عبد الملك و عرض
الدّية، و جعل خالد بن يزيد بن معاوية و من ولدته كلب يقولون: القتل، و من كانت
أمّه قيسيّة من بني أميّة يقولون: لا، بل الدّية كما فعل بالقوم، حتى ارتفع الكلام
بينهم بالمقصورة، فأخرجهم عبد الملك و دفع حلحلة إلى بعض بني عبد ودّ، و دفع سعيد
بن عيينة إلى بعض بني عليم، و أقبل عليهما عبد الملك فقال: أ لم تأتياني تستعدياني
فأعديتكما و أعطيتكما الدّية، ثم انطلقتما فأخفرتما ذمّتي و صنعتما ما صنعتما،
فكلّمه سعيد بكلام يستعطفه به و يرقّقه، فضرب حلحلة صدره و قال: أ ترى خضوعك لابن
الزّرقاء نافعك عنده، فغضب عبد الملك و قال: اصبر حلحلة، فقال له: أصبر من عود
بجنبيه جلّب [4] فقتلا و شقّ ذلك على قيس، و أعظمه أهل البادية منهم و الحاضرة،
فقال في ذلك عليّ بن الغدير الغنويّ: