فجمع لهم حميد بن الحريث
بن بحدل، ثم خرج يريد الغارة على بوادي قيس، فانتهى إلى ماء لبني تغلب، فإذا
النّساء و الصّبيان يبكون، فقالت لهم النساء- و هن يحسبنهم قيسا-: ويحكم، ما ردّكم
إلينا، فقد فعلتم بنا بالأمس ما فعلتم! فقالت لهم كلب: و ما لكم؟ قالوا: أغار علينا
بالأمس عمير بن الحباب، فقتل رجالنا، و استاق أموالنا، و لم يشككن أنّ الخيل خيل
قيس و أنّ عميرا عاد إليهن، فقال بعض كلب لحميد: ما تريد من نسوة قد أغير عليهن و
حربن، و صبية يتامى، و تدع عميرا. فاتّبعوه، فبينا هم يسيرون إذ أخذوا رجلا ربيئة
للقوم. فسألوه فقال لهم: هذا الجيش/ هاهنا و الأموال، و قد خرج عمير في فوارس يريد
الغارة على أهل بيت من بني زهير بن جناب، أخبر عنهم مخبر، فأقام حميد حتى جنّ عليه
اللّيل، ثم بيّت القوم بياتا. و قال حميد لأصحابه: شعاركم: نحن عباد اللّه حقّا.
فأصابوا عامة ذلك العسكر، و نجا فيمن نجا رجل عريان قذف ثوبه و جلس على فرس عري،
فلما انتهى إلى عمير، قال عمير: قد كنت أسمع بالنذير العريان [1] فلم أره، فهو
هذا، ويلك ما لك! قال: لا أدري غير أنه لقينا قوم فقتلوا من قتلوا و أخذوا العسكر،
فقال: أ فتعرفهم؟ قال: لا، فقصد عمير القوم و قال لأصحابه: إن كانت الأعاريب
فسيسارعون إلينا إذا رأونا، و إن كانت خيول أهل الشام فستقف. و أقبل عمير، فقال
حميد لأصحابه: لا يتحرّكن منكم أحد، و انصبوا القنا، فحمل عمير حملة لم تحرّكهم،
ثم حمل فلم يتحرّكوا، فنادى مرارا: ويحكم من أنتم؟! فلم يتكلّموا، فنادى عمير
أصحابه: ويلكم خيل بني بحدل و الأمانة، و انصرف على حاميته، فحمل عليه فوارس من
كلب يطلبونه، و لحقه مولى لكلب يقال له شقرون، فاطّعنا، فجرح عمير و هرب حتى دخل
قرقيسيا إلى زفر، و رجع حميد إلى من ظفر به من الأسرى و القتلى، فقطع سبالهم [2] و
أنفسهم، فجعلها في خيط، ثم ذهب بها إلى الشّام، و قال قائل: بل بعث بها إلى عمير و
قال: كيف ترى؟ أ وقعي أم وقعك؟ فقال في ذلك سنان بن جابر الجهنيّ: