و هذا الشعر يقوله في عليّ
بن هشام أيام كان إسحاق بالبصرة، و له إليه رسالة حسنة، هذا موضع ذكرها، أخبرنا
بها عليّ بن يحيى المنجّم، عن أبيه، و وقعت إلينا من عدّة وجوه:
رسالته إلى علي بن هشام
أن إسحاق كتب إلى عليّ بن
هشام: «جعلت فداك! بعث إليّ أبو نصر
مولاك بكتاب منك إليّ يرتفع عن قدري، و يقصر عنه شكري، فلو لا ما أعرف من معانيه
لظننت أنّ الرسول غلط بي فيه، فما لنا و لك يا عبد اللّه، تدعنا حتى إذا أنسينا
الدنيا و أبغضناها، و رجونا السلامة من شرّها، أفسدت قلوبنا و علّقت أنفسنا، فلا
أنت تريدنا، و لا أنت تتركنا؛ فبأيّ شيء تستحلّ هذا! فأما ما ذكرته من شوقك/ إليّ
فلولا أنك حلفت عليه لقلت:
يا من شكا عبثا إلينا
شوقه
شكوى المحبّ و ليس بالمشتاق
لو كنت مشتاقا إليّ
تريدني
ما طبت نفسا ساعة بفراقي
و حفظتني حفظ الخليل
خليله
و وفيت لي بالعهد و الميثاق
هيهات قد حدثت أمور
بعدنا
و شغلت باللذّات عن إسحاق
و قد تركت- جعلت فداك- ما
كرهت من العتاب في الشعر و غيره، و قلت أبياتا لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد، و
أستقبل الشّمال، و أتنسّم أرواحكم فيها، ثم يكون ما اللّه أعلم به، و إن كنت
تكرهها تركتها إن شاء اللّه:
و أمّا بعد، فإني أعلم
أنك- و إن لم تسل عن حالي- تحبّ أن تعلمها و أن تأتيك عنّي سلامة؛ فأنا يوم كتبت
إليك سالم البدن، مريض القلب.
يطلب رأي ابن هشام في
كتاب سيصنعه
و بعد: فأنا- جعلت فداك-
في صنعة كتاب مليح ظريف، فيه تسمية القوم و نسبهم و بلادهم، و أسبابهم و أزمنتهم،
و ما اختلفوا فيه من غنائهم، و بعض أحاديثهم، و أحاديث قيان الحجاز و الكوفة و
البصرة المعروفات و المذكورات، و ما قيل فيهنّ من الأشعار، و لمن كنّ، و إلى من
صرن، و من كان يغشاهنّ، و من كان يرخّص في