فلما فرغ حاتم من إنشاده
دعت بالغداء، و كانت قد أمرت إماءها أن يقدّمن إلى كل رجل منهم ما كان أطعمها، فقدّمن
إليهم ما كانت أمرتهنّ أن يقدمنه إليهم، فنكّس النّبيتيّ رأسه و النابغة، فلما نظر
حاتم إلى ذلك رمى بالذي قدّم إليهما [3]، و أطعمهما مما قدم إليه، فتسللا لواذا، و
قالت: إنّ حاتما أكرمكم و أشعركم.
فلما خرج النّبيتيّ و
النابغة قالت لحاتم:/ خلّ سبيل امرأتك، فأبى، فزوّدته و ردّته. فلما انصرف دعته
نفسه إليها، و ماتت امرأته، فخطبها فتزوّجته، فولدت عديّا.
إسلام عدي بن حاتم
و قد كان عديّ أسلم و حسن
إسلامه، فبلغنا إنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال له، و قد سأله عديّ: يا رسول
اللّه، إن أبي كان يعطي و يحمل، و يوفي بالذّمّة، و يأمر بمكارم الأخلاق؛ فقال له
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: إنّ أباك خشبة من خشبات جهنّم.
فكأن النبيّ صلّى اللّه
عليه و سلم رأى الكآبة في وجهه، فقال له: يا عديّ إنّ أباك و أبي و أبا إبراهيم في
النار.
ماوية و حاتم و ابن عمه
مالك
و كانت ماوية عنده زمانا،
و إن ابن عمّ لحاتم كان يقال له: مالك قال لها: ما تصنعين بحاتم؟ فو اللّه لئن وجد
شيئا ليتلفنه، و إن لم يجد ليتكلفنّ، و إن مات ليتركنّ ولده عيالا على قومك، فقالت
ماوية: صدقت، إنه كذلك.
و كان النساء- أو بعضهنّ-
يطلّقن الرجال في الجاهلية، و كان طلاقهن أنهن إن كنّ في بيت من شعر حوّلن الخباء؛
فإن كان بابه قبل المشرق حوّلنه قبل المغرب، و إن كان بابه قبل اليمن حوّلنه قبل
الشام؛ فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته فلم يأتها. و إن ابن عم حاتم قال
لماوية- و كانت أحسن نساء الناس-: طلّقي حاتما، و أنا أنكحك و أنا خير لك منه، و
أكثر مالا، و أنا أمسك عليك و على ولدك؛ فلم يزل بها حتى طلّقت حاتما، فأتاها حاتم
و قد حوّلت باب الخباء، فقال: يا عديّ، ما ترى أمّك عدي [4] عليها؟ قال: لا أدري،
غير أنها قد غيّرت باب الخباء، و كأنه لم يلحن [5] لما/ قال، فدعاه فهبط به بطن
واد، و جاء قوم فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون، فتوافوا خمسين رجلا،
فضاقت بهم ماوية ذرعا، و قالت لجاريتها: اذهبي إلى مالك فقولي له: إن أضيافا لحاتم
قد نزلوا بنا خمسين رجلا فأرسل بناب [6] نقرهم و لبن نغبقهم [7]، و قالت لجاريتها:
انظري إلى جبينه و فمه فإن