فقال عمر لزيد الخيل: للّه
درّك يا أبا مكنف [1] فلو لم يكن لطيئ غيرك و غير عديّ بن حاتم لقهرت بكما العرب.
قصته مع الشيباني
/ أخبرني ابن دريد، قال: أخبرني عمّي، عن أبيه، عن ابن
الكلبيّ، عن أبيه، قال: أخبرني شيخ من بني نبهان، قال:
أصابت بني شيبان سنة ذهبت
بالأموال، فخرج رجل منهم بعياله، حتى أنزلهم الحيرة، فقال لهم: كونوا قريبا من
الملك يصبكنّ من خيره حتى أرجع إليكنّ، و آلى أليّة لا يرجع حتى يكسبهنّ خيرا أو
يموت. فتزوّد زادا، ثم مشى يوما إلى الليل، فإذا هو بمهر مقيّد يدور حول خباء.
فقال: هذا أوّل الغنيمة، فذهب يحلّه و يركبه، فنودي:
خلّ عنه و اغنم نفسك،
فتركه، و مضى سبعة أيام حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطويل الشمس، فإذا خباء عظيم و
قبّة من أدم، فقال في نفسه:/ ما لهذا الخباء بدّ من أهل، و ما لهذه القبة بدّ من
ربّ، و ما لهذا العطن بدّ من إبل، فنظر في الخباء، فإذا شيخ كبير قد اختلفت
ترقوتاه، كأنه نسر.
قال: فجلست خلفه، فلما
وجبت [2] الشمس إذا فارس قد أقبل لم أر فارسا قطّ أعظم منه و لا أجسم، على فرس
مشرف و معه أسودان يمشيان جنبيه، و إذا مائة من الإبل مع فحلها، فبرك الفحل، و
بركت حوله، و نزل الفارس، فقال لأحد عبديه: احلب فلانة، ثم اسق الشيخ، فحلب في عسّ
[3] حتى ملأه، و وضعه بين يدي الشيخ و تنحى، فكرع منه الشيخ مرّة أو مرّتين، ثم
نزع، فثرت إليه فشربته، فرجع إليه العبد. فقال: يا مولاي، قد أتى على آخره، ففرح
بذلك، و قال: احلب فلانة، فحلبها، ثم وضع العسّ بين يدي الشيخ، فكرع منه واحدة، ثم
نزع، فثرت إليه فشربت نصفه، و كرهت/ أن آتي على آخره، فاتّهم [4]، فجاء العبد
فأخذه و قال لمولاه: قد شرب و روي، فقال: دعه، ثم أمر بشاة فذبحت، و شوى للشيخ
منها، ثم أكل هو و عبداه، فأمهلت حتى إذا ناموا و سمعت الغطيط ثرت إلى الفحل،
فحللت عقاله و ركبته، فاندفع بي و تبعته الإبل، فمشيت ليلتي حتى الصباح، فلما
أصبحت نظرت فلم أر أحدا، فشللتها إذا شلّا [5] عنيفا حتى تعالى النهار، ثم التفتّ
التفاتة فإذا أنا بشيء كأنه طائر، فما زال يدنو حتى تبيّنته، فإذا هو فارس على
فرس، و إذا هو صاحبي بالأمس، فعقلت الفحل، و نثلت كنانتي، و وقفت بينه و بين
الإبل، فقال: احلل عقال الفحل، فقلت: كلّا و اللّه، لقد خلّفت نسيّات بالحيرة، و
آليت أليّة لا أرجع حتى أفيدهن خيرا أو أموت. قال: فإنك لميّت، حلّ عقاله، لا أمّ
لك! فقلت: ما هو إلّا ما قلت لك، فقال: إنك لمغرور: انصب لي خطامه، و اجعل فيه خمس
عجر [6] ففعلت، فقال: أين تريد أن أضع سهمي؟ فقلت: في هذا الموضع، فكأنما وضعه
بيده، ثم أقبل يرمي حتى أصاب الخمسة بخمسة أسهم، فرددت نبلي، و حططت قوسي،