فأمر هشام أن يجمع له من
بحضرته من الرّواة، فجمعوا. فأمر بالأبيات فقرئت عليهم، فقال: شعر من تشبه هذه
الأبيات؟ فأجمعوا جميعا من ساعتهم أنه كلام الكميت بن زيد/ الأسديّ، فقال هشام:
نعم، هذا الكميت ينذرني بخالد بن عبد اللّه. ثم كتب إلى خالد بخبره، و كتب إليه
بالأبيات، و خالد يومئذ بواسط.
هاشميته اللامية
فكتب خالد إلى واليه
بالكوفة يأمره بأخذ الكميت و حبسه، و قال لأصحابه: إنه بلغني أنّ هذا يمدح بني
هاشم و يهجو بني أمية، فأتوني من شعره هذا بشيء. فأتي بقصيدته اللامية التي
أوّلها [3]:
ألا هل عم في رأيه
متأمّل
و هل مدبر بعد الإساءة مقبل!
فكتبها و أدرجها في كتاب
إلى هشام، يقول: هذا شعر الكميت؛ فإن كان قد صدق في هذا فقد صدق في ذاك.
اشتدّ غيظه. فكتب إلى خالد
يأمره أن يقطع يدي الكميت و رجليه، و يضرب عنقه و يهدم داره، و يصلبه على ترابها.
ابن عنبسة ينذره ليتخلص
من الحبس
فلما قرأ خالد الكتاب كره
أن يستفسد عشيرته، و أعلن الأمر رجاء أن يتخلّص الكميت، فقال: لقد كتب إليّ أمير
المؤمنين، و إني لأكره أن أستفسد عشيرته، و سمّاه، فعرف عبد الرحمن بن عنبسة بن
سعيد ما أراد، فأخرج غلاما له مولّدا ظريفا، فأعطاه بغلة له شقراء فارهة من بغال
الخليفة، و قال: إن أنت وردت الكوفة، فأنذرت الكميت لعله أن يتخلّص من الحبس، فأنت
حرّ لوجه اللّه، و البغلة لك، و لك عليّ بعد ذلك إكرامك و الإحسان إليك.
فركب البغلة و سار بقيّة
يومه و ليلته من واسط إلى الكوفة فصبّحها، فدخل الحبس متنكّرا، فخبّر الكميت
بالقصة، فأرسل إلى امرأته و هي ابنة عمّه يأمرها أن تجيئه و معها ثياب من لباسها و
خفّان، ففعلت، فقال: ألبسيني لبسة النساء، ففعلت، ثم قالت له: أقبل، فأقبل، و
أدبر، فأدبر. فقالت: ما أرى إلّا يبسا في منكبيك، اذهب في حفظ اللّه.
[1]
في أ، ب «فما برم»، و المثبت يوافق ما في الهاشميات.