قال: ثم دخلت عليه فسألني
عن البلاد و عن الناس، و عن عيشنا بالحجاز، و عن رجال يهود، و كيف ما بيننا من تلك
الحروب. فكلّ ذلك أخبره حتّى انتهى إلى ذكر جبلة، فقال: كيف تجد جبلة، فقد انقطعت
إليه و تركتنا؟
فقلت: إنّما جبلة منك و
أنت منه. فلم أجر إلى مدح و لا عيب، و جاز ذلك إلى غيره ثم قال: الغداء. فأتى
بالغداء و وضع الطعام، فوضع يده فأكل أكلا شديدا، و إذا رجل جبّار، فقال بعد ساعة:
ادن فأصب [من هذا] [1]. فدنوت فخطّطت تخطيطا، فأتي بطعام كثير، ثم رفع الطعام و
جاء وصفاء كثير عددهم، معهم الأباريق فيها ألوان الأشربة.
و معهم مناديل اللّين [2]
فقاموا على رءوسنا، و دعا أصحاب برابط [3]/ من الروم فأجلسهم و شرب فألهوه، و قام
الساقي على رأسي فقال: اشرب. فأبيت حتى قال هو: اشرب. فشربت، فلما أخذ فينا الشراب
[4] أنشدته شعرا فأعجبه و لذّ به، فأقمت عنده أياما فقال لي حاجبه: إنّ له صديقا
هو أخفّ الناس عليه، و هو جاء، فإذا هو جاء جفاك و خلص به و قد ذكر قدومه،
فاستأذنه قبل أن يقدم عليه، فإنه قبيح أن يجفوك بعد الإكرام، و الإذن اليوم أحسن.
قلت: و من هو؟ قال: نابغة بني ذبيان. فقلت للحارث: إن رأى الملك أن يأذن لي في
الانصراف إلى أهلي فعل. قال: قد أذنت لك و أمرت لك بخمسمائة دينار و كسى و حملان
[5]. فقبضتها و قدم النابغة و خرجت إلى أهلى.
/ عروضه من الطويل. الشعر لنصيب، و من الناس من يروي
الثلاثة الأبيات الأول للمجنون. و الغناء لبديح مولى عبد اللّه بن جعفر رحمهما
اللّه.
و في الأبيات الأول منها
ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي و حبش. و ذكره حمّاد بن إسحاق و لم يجنّسه. و فيه
لابن سريج هزج خفيف بالبنصر في مجراها عن إسحاق في البيتين الأخيرين. و فيه لمعبد
في البيتين الأولين خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.