قال أبو عمرو: قال حسان بن
ثابت: قدمت على عمرو بن الحارث فاعتاص الوصول عليّ إليه، فقلت للحاجب بعد مدّة: إن
أذنت لي عليه و إلا هجوت اليمن كلّها ثم انقلبت عنكم. فأذن لي فدخلت عليه فوجدت
عنده النابغة و هو جالس عن يمينه، و علقمة بن عبدة و هو جالس عن يساره، فقال لي:
يا ابن الفريعة، قد عرفت عيصك [1] و نسبك في غسّان فارجع فإنّي باعث إليك بصلة
سنيّة، و لا أحتاج إلى الشعر، فإنّي أخاف عليك هذين السّبعين: النابغة و علقمة، أن
يفضحاك، و فضيحتك فضيحتي، و أنت و اللّه لا تحسن أن تقول:
رقاق النّعال طيّب
حجزاتهم
يحيّون بالريحان يوم السّباسب
استنشاد عمرو بن الحارث
له و تفضيله عليهما:
فأبيت و قلت: لا بدّ منه.
فقال: ذاك إلى عمّيك. فقلت لهما: بحقّ الملك إلّا قدّمتماني عليكما. فقالا: قد فعلنا.
فقال عمرو بن الحارث: هات يا ابن الفريعة. فأنشأت:
/ فقال: فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل [3] عن موضعه
سرورا حتى شاطر البيت و هو يقول: هذا و أبيك الشّعر، لا ما تعلّلاني به منذ اليوم!
هذه و اللّه البتّارة [4] التي قد بترت المدائح، أحسنت يا ابن الفريعة، هات له يا
غلام ألف دينار مرجوحة [5] و هي التي في كلّ دينار عشرة دنانير. فأعطيت ذلك ثم
قال: لك عليّ في كلّ سنة مثلها.
النابغة يقول الثناء
المسجوع في عمرو بن الحارث:
ثم أقبل على النابغة فقال:
قم يا زياد فهات الثّناء المسجوع. فقام النابغة فقال:
ألا انعم صباحا أيّها
الملك المبارك، السّماء غطاؤك، و الأرض وطاؤك، و والداي فداؤك، و العرب وقاؤك، و
العجم حماؤك [6]، و الحكماء جلساؤك، و المداره سمّارك [7]، و المقاول إخوانك [8]،
و العقل شعارك، و الحلم دثارك، و السكينة مهادك، و الوقار غشاؤك، و البرّ وسادك، و
الصّدق رداؤك، و اليمن حذاؤك [9]، و السّخاء ظهارتك،
[2]
الحواني، هي في «الديوان»: «الجوابي». و في «شرحه»: «أراد جابية الجولان. و الجولان ما بين دمشق إلى الأردن».
البضيع، بالتصغير: جبل بالشام أسود. ح «بالنصيع» و في سائر النسخ ما عدا ط «فالبصيع» صوابهما في ط.