مكث
ساعة فقال: إني لأجد ريح النسيم، فما ترين؟ قالت: أراها كما قال الشاعر:
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه
يكاد يدفعه من قام بالراح
/ كأنما بين أعلاه و أسفله
ريط منشّرة أو ضوء مصباح
فمن بمحفله كمن بنجوته
و المستكنّ كمن يمشي بقرواح
فقال: انجي لا
أبا لك! فما انقضى كلامه حتى هطلت السماء عليهما.
البيت الثاني
من هذه الأبيات ليس من رواية ابن حبيب و لا الأصمعيّ.
معنى قول
الجارية «كأنها بطن حمار أصحر»: تعني أنه أبيض فيه حمرة. و الصحرة لون كذلك. و
قوله: «فمن بمحفله كمن بنجوته»: يعني من هو بحيث احتفل السيل- و احتفال كل شيء
معظمه- كمن في نجوته. و قد روي «بمحفشه»، و هما واحد، و معناهما مجرى معظم السيل.
يقول: فمن هو في هذا الموضع منه كمن بنجوته (أي ناحية عنه) سواء لكثرة المطر. و
القرواح: الفضاء؛/ يقال قرواح و قرياح. و يقال في معنى المحفش: حفشت الأودية إذا
سالت، و تحفّشت المرأة على ولدها إذا قامت عليه.
كان يسير
ليلا فصرعته ناقته، فأكرمه فضالة بن كلدة، فمدحه:
أخبرني عليّ بن
سليمان الأخفش قال حدّثني عليّ بن أبي عامر السّهميّ المصريّ قال حدّثني أبو يوسف
الأصبهانيّ قال حدّثني أبو محمد الباهليّ عن الأصمعيّ، و ذكر هذا الخبر أيضا
التّوّزيّ عن أبي عبيدة، فجمعت روايتيهما، قالا:
كان أوس بن حجر
غزلا مغرما بالنساء؛ فخرج في سفر، حتى إذا كان بأرض بني أسد بين شرج و ناظرة [1]،
فبينا هو يسير ظلاما إذ جالت به ناقته فصرعته فاندقّت فخذاه فبات مكانه؛ حتى إذا
أصبح غدا جواري الحيّ يجتنين الكمأة و غيرها من نبات الأرض و الناس في ربيع. فبينا
هنّ كذلك إذ بصرن بناقته تجول و قد علق زمامها في شجرة و أبصرنه ملقى، ففزعن
فهربن. فدعا بجارية منهن فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا حليمة بنت فضالة بن كلدة، و
كانت أصغرهن؛ فأعطاها حجرا و قال لها: اذهبي إلى أبيك فقولي له: ابن هذا يقرئك
السلام. فأخبرته فقال: يا بنيّة، لقد أتيت أباك بمدح طويل أو هجاء طويل. ثم احتمل
هو و أهله حتى بنى عليه بيته حيث صرع و قال: و اللّه لا أتحوّل أبدا حتى تبرأ؛ و
كانت حليمة تقوم عليه حتى استقلّ. فقال أوس بن حجر في ذلك:
[2] الجدل:
الصرع؛ يقال: جدله و جدّله تجديلا فانجدل و تجدّل. و في «الأصول» و «الديوان»:
«خذلت» و ظاهر أنه تصحيف.
[3] ليلة طلق
و طلقة: طيبة لا خرّ فيها و لا برد و لا مطر و لا قر؛ و يقال: يوم طلق. و ليلة
ساكرة: ساكنة الريح؛ يقال: سكرت الريح تسكر (على وزان قعد) سكورا و سكرانا إذا
سكنت بعد الهبوب.
[4] كذا في
«اللسان» (في مادة ذهن). و الذهن: القوّة. و الغابرة: الباقية. و في «الأصول» و
«الديوان»: ... دهيها ... العاثرة.