هو عليّ بن عبد
اللّه بن سيف [1]. و كان جدّه من السّغد [2] الذين سباهم الوليد بن [3]/ عثمان بن
عفّان و استرقّ منهم جماعة اختصّهم بخدمته، و أعتق بعضهم، و لم يعتق الباقين
فقتلوه. و ذكر ابن خرداذبه، و هو ممن لا يحصّل قوله و لا يعتمد عليه، أنّه من أهل
يثرب مولى بني أميّة، و القول الأوّل أصحّ.
مهارته في
الغناء و الضرب و بعض أخلاقه و نشأته و سبب وفاته:
و يكنى علّويه
أبا الحسن. و كان مغنيّا حاذقا، و مؤدّبا محسنا، و صانعا متفنّنا، و ضاربا
متقدّما، مع خفّة روح، و طيب مجالسة، و ملاحة نوادر. و كان إبراهيم الموصليّ علّمه
و خرّجه و عني به جدّا، فبرع و غنّى لمحمد الأمين، و عاش إلى أيّام المتوكّل، و
مات بعد إسحاق الموصليّ بمديدة يسيرة. و كان سبب وفاته أنّه خرج به جرب، فشكاه إلى
يحيى ابن ماسويه، فبعث إليه بدواء مستهل و طلاء، فشرب الطّلاء، و اطّلى بالدواء
المسهل، فقتله ذلك. و كان إسحاق يتعصب له في أكثر أوقاته على مخارق. فأمّا التقديم
و الوصف فلم يكن إسحاق يرى أحدا من جماعته لهما [4] أهلا، فكانوا يتعصّبون عليه
لإبراهيم بن المهديّ، فلا يضرّه ذلك مع تقدّمه و فضله.
رأي إسحاق
الموصلي فيه و في مخارق:
أخبرني محمد بن
مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال: قلت لأبي: أيّما أفضل عندك مخارق أو علّويه؟
فقال: يا بنيّ
علّويه أعرفهما فهما بما يخرج من رأسه و أعلمهما بما يغنّيه و يؤدّيه، و لو خيّرت
بينهما من يطارح جواريّ أو شاورني من يستنصحني لما أشرت إلّا بعلّوية؛ لأنه كان
يؤدّي الغناء، و صنع صنعة محكمة. و مخارق بتمكّنه من حلقه و كثرة نغمه لا يقنع
بالأخذ منه؛ لأنه لا يؤدّي صوتا واحدا كما أخذه و لا يغنّيه مرّتين غناء واحدا
لكثرة زوائده فيه. و لكنّهما إذا اجتمعا عند خليفة أو سوقة غلب مخارق على المجلس و
الجائزة لطيب صوته و كثرة نغمه.
حدّثني جحظة
قال حدّثني أبو عبد اللّه بن حمدون قال حدّثني أبي قال:
اجتمعت مع
إسحاق يوما في بعض دور بني هاشم، و حضر علّويه فغنّى أصواتا ثم غنّى من صنعته:
[1]
كذا في كل «الأصول» و «مختصر الأغاني» لابن منظور. و كتب المرحوم الأستاذ الشنقيطي
بهامش نسخته «يوسف» بدل «سيف».
[2] السغد:
ناحية كثيرة المياه. و البساتين و الأشجار بها قرى كثيرة بين بخارى و سمرقند، و
ربما قيل فيها «الصغد» بالصاد. و يقال لسكان تلك الناحية سغد.
[3] كذا في
«ح» و «مختار الأغاني» و «نهاية الأرب». و في سائر الأصول: «سباهم عثمان بن الوليد
زمن عثمان بن عفان» و هو تحريف. و المعروف في كتب «التاريخ» أن الذي فتح تلك
النواحي سنة 56 ه هو سعيد بن عثمان بن عفان.