عنه.
فأرادوا أن يخرجوا حين يصبحون. فقال لهم سارية. ادّرعوا [1] الليل؛ فإنّي لا آمن
توبة عليكم الليلة فإنه لا ينام عن طلبكم. قال: فلمّا تعشّوا ادّرعوا الليل في
الفلاة. و أقعد له توبة رجلين فغفل صاحبا توبة.
فلمّا/ ذهب
الليل فزع توبة و قال: لقد اغتررت إلى رجلين ما صنعا شيئا، و إنّي لأعلم أنهم لم
يصبحوا بهذا البلاد، فاقتصّ آثارهم، فإذا هو بأثر القوم قد خرجوا، فبعث إلى صاحبيه
فأتياه، فقال: دونكما هذا الجمل فأوقراه من الماء في مزادتيه ثم اتّبعها أثري، فإن
خفي عليكما أن تدركاني فإني سأنوّر لكما إن أمسيتما دوني.
و خرج توبة في
أثر القوم مسرعا، حتى إذا انتصف النهار جاوز علما يقال له أفيح [2] في الغائط.
فقال لأصحابه:
هل ترون سمرات
إلى جنب قرون بقر؟- و قرون بقر مكان هنالك- فإنّ ذلك مقيل القوم لم يتجاوزوه فليس
وراءه [3] ظلّ. فنظروا فقال قائل: أرى رجلا يقود بعيرا [4] كأنه يقوده لصيد. قال
توبة: ذلك ابن الحبتريّة، و ذلك من أرمى من رمى. فمن له يختلجه [5] دون القوم فلا
ينذرون [6] بنا؟ قال: فقال عبد اللّه أخو توبة: أنا له.
قال: فاحذر لا
يضربنّك، و إن استطعت أن تحول بينه و بين أصحابه فافعل. فخلّي طريق فرسه في غمض
[7] من الأرض، ثم دنا منه فحمل عليه، فرماه لابن الحبتريّة- قال: و بنو الحبتر [8]
ناس من مذحج في بني عقيل- فعقر [9] فرس عبد اللّه أخي توبة و اختلّ [10] السهم ساق
عبد اللّه، فانحاز الرجل حتى أتى أصحابه فأنذرهم، فجمعوا ركابهم و كانت متفرّقة.
قال: و غشيهم توبة و من معه، فلمّا رأوا ذلك صفّوا رحالهم و جعلوا السّمرات في
نحورهم و أخذوا سلاحهم و درقهم، و زحف إليهم توبة، فارتمى القوم لا يغني أحد منهم
شيئا/ في أحد. ثم إنّ توبة و كان يترس [11] له أخوه عبد اللّه، قال: يا أخي لا
تترّس لي؛ فإني رأيت ثورا كثيرا ما يرفع التّرس، عسى أن أوافق منه عند رفعه [12]
مرمى فأرميه. قال: ففعل، فرماه توبة على حلمة ثديه فصرعه. و جال [13]/ القوم
فغشيهم توبة و أصحابه فوضعوا فيهم السّلاح حتى تركوهم صرعى و هم سبعة نفر. ثم إنّ
ثورا قال انتزعوا هذا السهم عنّي. قال توبة: ما وضعناه لننتزعه. فقال أصحاب توبة:
انج بنا نأخذ آثارنا و نلحق راويتنا، فقد أخذنا ثأرنا من هؤلاء و قد متنا عطشا
[14]. قال توبة: كيف بهؤلاء القوم الذي لا يمنعون و لا يمتنعون!. فقالوا: أبعدهم
اللّه. قال توبة: ما أنا بفاعل و ما هم إلّا عشيرتكم، و لكن تجيء [15] الراوية
فأضع لهم ماء و أغسل عنهم دماءهم
[1]
في «ج، ب، س»: ادّرعوا الليلة». يقال: ادّرع الليل و تدرعه إذا دخل فيه يسري، كأنه
لبس ظلمته.
[2] ضبط
الأصمعي «أفيح» بضم أوّله و فتح ثانيه، و ضبطه غيره بفتح أوّله و كسر ثانيه.
[3] عبارة
«مختار الأغاني»: «فإن ذلك مقيل لم يتجاوزه القوم و ليس لهم وراءه ظل».
[4] في
«الأصول»: «نرى رجلا يقود بعيرا له ... إلخ» و التصويب عن «مختار الأغاني».