فأمر له بذلك و
قال له: لا تعد أن تتحلّم [2] عليّ ثانية، فأجعل حلمك أضغاثا و لا أحقّقه.
حبسه المنصور
لسكره فبعث له من الحبس شعرا فعفا عنه:
ثم خرج من عنده
و مضى فشرب في بعض الحانات فسكر و انصرف و هو يميل. فلقيه العسس فأخذوه، و قيل له:
من أنت و ما
دينك؟ فقال:
ديني على دين بنى العبّاس
ما ختم الطين على القرطاس
إنّي اصطبحت أربعا بالكاس
فقد أدار شربها براسي
فهل بما قلت لكم من باس
فأخذوه و مضوا،
و خرقوا ثيابه و ساجه و أتي به أبو جعفر- و كان يؤتى بكلّ من أخذه العسس- فحبسه مع
الدّجاج في بيت. فلمّا أفاق جعل ينادي غلامه مرّة و جاريته أخرى فلا يجيبه أحد، و
هو في ذلك يسمع صوت الدّجاج و زقاء الدّيوك. فلمّا أكثر قال له السّجّان: ما شأنك؟
قال: ويلك من أنت و أين أنا؟ قال: في الحبس، و أنا فلان السّجّان. قال: و من
حبسني؟ قال: أمير المؤمنين. قال:/ و من خرق طيلساني؟ قال: الحرس. فطلب منه أن
يأتيه بدواة و قرطاس ففعل، فكتب إلى أبي جعفر:
فدعا به و قال:
أين حبست يا أبا دلامة؟ قال: مع الدّجاج. قال: فما كنت تصنع؟ قال: أقوقي معهنّ حتى
أصبحت. فضحك و خلّى سبيله و أمر له بجائزة. فلمّا خرج قال له الرّبيع: إنه شرب
الخمر يا أمير المؤمنين. أ ما سمعت قوله «و قد طبخت بنار اللّه» (يعني الشمس).
فأمر بردّه ثم قال: يا خبيث شربت الخمر؟ قال لا. قال:
أ فلم تقل
«طبخت بنار اللّه» تعني الشمس. قال: لا و اللّه/ ما عنيت إلّا نار اللّه الموقدة
التي تطّلع على فؤاد الرّبيع. فضحك و قال: خذها يا ربيع و لا تعاود التعرّض.