ألزمه
المنصور بالقيام شهر رمضان فكتب إلى ريطة شعرا يستشفع بها للمهدي:
فبلغته الأبيات
فقال: صدق! ما يضرّني ذلك، و اللّه لا يصلح هذا أبدا، فدعوه يعمل ما يشاء. و قال
الهيثم في خبره: فقال له أبو جعفر: قد أعفيناك من هذه الحال، و لكن على ألّا تدع
القيام معنا في ليالي شهر رمضان فقد أظل [1]. فقال: أفعل. قال: إنك إن تأخّرت لشرب
الخمر علمت ذلك. و و اللّه لئن فعلت لأحدّنّك. فقال أبو دلامة: البليّة في شهر
أصلح منها في طول الدهر، سمعا و طاعة. فلمّا حضر شهر رمضان لزم المسجد. و كان
المهديّ يبعث إليه في كل ليلة حرسيّا يجيء به؛ فشقّ ذلك عليه، و فزع إلى الخيزران
و أبي عبيد [2] اللّه و كلّ من كان يلوذ بالمهديّ ليشفعوا له في الإعفاء/ من
القيام، فلم يجبهم. فقال له أبو عبيد اللّه: الدّالّ على الخير كفاعله، فكيف شكرك؟
قال: أتمّ شكر. قال: عليك بريطة [3] فإنّه لا يخالفها. قال: صدقت و اللّه،/ ثم رفع
إليها رقعة يقول فيها:
فلمّا قرأت
الرّقعة ضحكت و أرسلت إليه: اصطبر حتى تمضي ليلة القدر. فكتب إليها: إني لم أسألك
أن تكلّميه في إعفائي عاما قابلا؛ و إذا مضت ليلة القدر فقد فني الشّهر. و كتب
تحتها أبياتا:
[2] هو أبو
عبيد اللّه معاوية بن عبيد اللّه بن يسار الأشعري الكاتب الوزير. كان من رجالات
المنصور ثم المهدي. عزله المهدي عن الوزارة ثم جعله على ديوان الرسائل، ثم عزله
عنه سنة 167 ه.
[3] ريطة: هي
ابنة الخليفة أبي العباس السفاح و زوجة المهدي.
[4] العلاب:
جمع علبة و هي قدح ضخم من جلود الإبل أو هي قدح من خشب.