و
كأنّها قد اندفعت تغنّيني به، فما سمعت أحسن مما غنّته، و لقد زادت لي فيه أشياء
في نومي لم أكن أعرفها. فانتبهت و أنا لا أعقل فرحا به. فباكرت الخليفة و ذكرت له
القصّة. فقالت عريب: هذا شيء صنعته أنت لما جرى بالأمس، و أمّا الصوت فصحيح.
فخلفت للخليفة بما رضي/ به أنّ القصة كما حكيت. فقال: رؤياك و اللّه/ أعجب، و رحم
اللّه عليّة! فما تركت ظرفها حيّة و ميّتة، و أجازني جائزة سنيّة. و لعليّة في هذا
الصوت أعني:
بني الحب على الجور فلو
لحنان: خفيف
ثقيل و هزج. و قيل إن الهزج لغيرها.
سمع الرشيد
لحنين لها من جاريتيها عند إبراهيم الموصلي فرجع إليها و سمعهما منها و مدحهما:
و نسخت من كتاب
محمد بن الحسن الكاتب حدّثني أحمد بن محمد الفيرزان [1] قال حدّثني بعض خدم
السلطان عن مسرور الكبير، و نسخت هذا الخبر بعينه من كتاب محمد بن طاهر يرويه عن
ابن الفيرزان [1]، و فيهما خلاف يذكر في موضعه، قال:
اشتاق الرشيد
إلى إبراهيم الموصليّ يوما، فركب حمارا يقرب من الأرض، ثم أمر بعض خدم الخاصة
بالسعي بين يديه، و خرج من داره، فلم يزل حتى دخل على إبراهيم. فلما أحسّ به
استقبله و قبّل رجليه. و جلس الرشيد فنظر إلى مواضع قد كان فيها قوم ثم مضوا، و
رأى عيدانا كثيرة، فقال: يا إبراهيم ما هذا؟ فجعل يدافع.
فقال: ويلك!
اصدقني. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، جاريتان أطرح عليهما. قال: هاتهما. فأحضر
جاريتين ظريفتين، و كانت الجاريتان لعليّة بنت المهديّ بعثت بهما يطرح عليهما.
فقال الرشيد لإحداهما: غنّي، فغنّت- و هذا كله من رواية محمد بن طاهر-:
بني الحبّ على الجور فلو
أنصف المعشوق فيه لسمج
ليس يستحسن في حكم الهوى
عاشق يحسن تأليف الحجج
لا تعيبن من محبّ ذلّة
ذلّة العاشق مفتاح الفرج
و قليل الحب صرفا خالصا
لك خير من كثير قد مزج
فأحسنت جدّا.
فقال الرشيد: يا إبراهيم لمن الشعر؟ ما أملحه! و لمن اللحن؟ ما أظرفه! فقال: لا
علم لي. فقال للجارية، فقالت: لستّي. قال: و من ستّك؟ قالت: عليّة/ أخت أمير
المؤمنين. قال: الشعر و اللحن؟! قالت نعم! فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إلى الأخرى
فقال: غنّي؛ فغنّت:
صوت
تحبّب فإن الحبّ داعية الحبّ
و كم من بعيد الدار مستوجب القرب
تبصّر فإن حدّثت أنّ أخا هوى
نجا سالما فارج النّجاة من الحب
إذا لم يكن في الحب سخط و لا رضا
فأين حلاوات الرسائل و الكتب
- الغناء لعليّة خفيف ثقيل. و في كتاب علّويه:
الغناء له- فسأل إبراهيم عن الغناء و الشعر؛ فقال: لا علم