و هو متّكئ.
فلما فرغ منه ترنّم به مخارق فأحسن فيه و أطربنا و زاد على إبراهيم، فأعاده
إبراهيم و زاد في صوته فعفّى على غناء مخارق. فلما فرغ ردّه مخارق و غنّى فيه
بصوته كلّه و تحفّظ فيه، فكدنا نطير سرورا.
و استوى
إبراهيم جالسا و كان متّكئا فغنّاه بصوته كلّه و وفّاه نغمه و شذوره، و نظرت إلى
كتفيه تهتزّان و بدنه أجمع يتحرّك حتى فرغ منه، و مخارق شاخص نحوه يرعد و قد انتقع
لونه و أصابعه تختلج؛ فخيّل لي و اللّه أنّ الإيوان يسير بنا. فلمّا فرغ منه تقدّم
إليه مخارق فقبّل يده و قال: جعلني اللّه فداك أين أنا منك! ثم لم ينتفع مخارق
بنفسه بقيّة يومه في غنائه، و اللّه لكأنما كان يتحدث.
أخبرني عمّي
قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال
حدّثني عمّي منصور بن المهديّ:
أنه كان عند
أبي في يوم كانت عليه فيه نوبة لمحمد الأمين، فتشاغل أبي بالشّرب في بيته و لم
يمض، و أرسل إليه عدّة رسل فتأخّر. قال منصور: فلما كان من غد قال: ينبغي أن تعمل
على الرّواح إليّ لنمضي إلى أمير المؤمنين فنترضّاه؛ فما أشكّ في غضبه عليّ. ففعلت
و مضينا. فسألنا عن خبره فأعلمنا أنه مشرف على حير [5] الوحش و هو مخمور، و كان من
عادته ألّا يشرب إذا لحقه الخمار. فدخلنا؛ و كان طريقنا على حجرة تصنع فيها
الملاهي. فقال لي أخي: اذهب فاختر منها عودا ترضاه، و أصلحه غاية الإصلاح حتى لا
تحتاج إلى