responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 10  صفحة : 301

يفي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاءه بي، فخذه و لا تسفك دمي. قال: هاته فأخرجته إليه؛ فنظر إليه ساعة و قال:

صدقت في قيمته، و لست قابله حتى أسألك عن شي‌ء، فإن صدقتني أطلقتك. فقلت: قل. قال: إن الناس قد و صفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت قطّ مالك كلّه؟ قلت لا. قال: فنصفه؟ قلت لا. قال: فثلثه؟ قلت لا.

حتى بلغ العشر فاستحييت فقلت: أظنّ أنّي قد فعلت هذا. فقال: ما أراك فعلته! أنا و اللّه راجل، و رزقي من أبي جعفر عشرون درهما، و هذا الجوهر قيمته آلاف دنانير، و قد وهبته لك، و وهبتك لنفسك و لجودك المأثور عنك بين الناس، و لتعلم أن في الدنيا أجود منك، فلا تعجبك نفسك و لتحقر بعد هذا كلّ شي‌ء تفعله، و لا تتوقّف عن مكرمة. ثم رمى بالعقد في حجري و خلّى خطام البعير و انصرف. فقلت: يا هذا قد و اللّه فضحتني، و لسفك دمي أهون عليّ ممّا فعلت، فخذ ما دفعته إليك فإنّي غنيّ عنه. فضحك ثم قال: أردت أن تكذّبني في مقامي هذا، و اللّه لا آخذه و لا آخذ بمعروف ثمنا أبدا، و مضى. فو اللّه لقد طلبته بعد أن أمنت و بذلت لمن جاءني به ما شاء فما عرفت له خبرا، و كأن الأرض ابتلعته.

سبب رضا المنصور عن معن بن زائدة:

قال: و كان سبب رضا المنصور عن معن أنه لم يزل مستترا حتى كان يوم الهاشميّة [1]، فلما وثب القوم على المنصور و كادوا يقتلونه، وثب معن و هو متلثّم فانتضى سيفه و قاتل فأبلى بلاء حسنا، و ذبّ القوم عنه حتى نجا و هم يحاربونه بعد،/ ثم جاء و المنصور راكب على بغلة و لجامها بيد الرّبيع؛ فقال له: تنحّ فإنّي أحقّ باللّجام منك في هذا الوقت و أعظم فيه غناء. فقال له المنصور: صدق فادفعه إليه؛ فأخذه و لم يزل يقاتل حتى انكشفت تلك الحال. فقال له المنصور: من أنت للّه أبوك؟ قال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة.

قال: قد أمّنك اللّه على نفسك و مالك، و مثلك يصطنع. ثم أخذه معه و خلع عليه و حباه و زيّنه. ثم دعا به يوما و قال له: إنّي قد أمّلتك لأمر، فكيف تكون فيه؟ قال: كما يحبّ أمير المؤمنين- قال: قد ولّيتك اليمن، فابسط السيف فيهم حتى ينقض حلف ربيعة و اليمن- قال: أبلغ من ذلك ما يحبّ أمير المؤمنين. فولّاه اليمن و توجّه إليها فبسط السيف فيهم حتى أسرف.

عاتب المنصور معنا على إكرامه له فأجابه إنما أكرمه لمدحه هو:

قال مروان: و قدم معن بعقب ذلك فدخل على المنصور فقال له بعد كلام طويل: قد بلغ أمير المؤمنين عنك شي‌ء لو لا مكانك عنده و رأيه فيك لغضب عليك. قل: و ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فو اللّه ما تعرّضت لك منك، قال: إعطاؤك مروان بن أبي حفصة ألف دينار لقوله/ فيك:

معن بن زائدة الذي زيدت به‌

شرفا إلى شرف بنو شيبان‌

إن عدّ أيام الفعال فإنّما

يوماه يوم ندى و يوم طعان‌

فقال: و اللّه يا أمير المؤمنين ما أعطيته ما بلغك لهذا الشعر، و إنما أعطيته لقوله:

ما زلت يوم الهاشميّة معلما

بالسيف دون خليفة الرحمن‌


[1] الهاشمية: مدينة بناها السفاح بالكوفة. و ذلك أنه لما ولي الخلافة نزل بقصر ابن هبيرة و استتم بناءه و جعله مدينة و سماها الهاشمية.

فلما توفي دفن بها. و استخلف المنصور فنزلها و استتم بناء كان بقي فيها و زاد فيها ما أراد. و كانت فيها وقعة بين أبي جعفر المنصور و الراوندية، و هم قوم يقولون بتناسخ الأرواح و يزعمون أن روح آدم حلت في أحد رجالات المنصور، و أن ربهم الذي يطعمهم و يسقيهم هو أبو جعفر المنصور و أن الهيثم بن معاوية جبريل. (راجع «معجم البلدان» لياقوت و «تاريخ الطبري» ق 3 ص 129، 131).

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 10  صفحة : 301
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست