قال إسحاق: و
ذكر لي شيخ من أهل المدينة عن هارون بن سعد: أن ابن عائشة كان يلقي عليه و على
ربيحة [1] الشّمّاسيّة، فدخل معبد فألقى عليهما صوتا، فاندفع ابن عائشة يغنّيه و
قد أخذه منه؛ فغضب معبد و قال:
أحسنت يا ابن
عاهرة [2] الدّار، تفاخرني! فقال: لا و اللّه- جعلني اللّه فداءك يا أبا عبّاد- و
لكنّي أقتبس منك،/ و ما أخذته إلّا عنك، ثم قال: أنشدك [3] اللّه يا ابن شمّاس، هل
قلت لك: قد جاء أبو عبّاد فاجمع بيني و بينه أقتبس منه؟ قال: اللّهم نعم.
قيل لابن
عائشة، و قد غنّى صوتا أحسن فيه فقال: أصبحت أحسن الناس غناء، فقيل له: و كيف
أصبحت أحسن الناس غناء؟ قال: و ما يمنعني من ذلك و قد أخذت من أبي عبّاد أحد عشر
صوتا، و أبو عبّاد مغنّي أهل المدينة و المقدّم فيهم! [5] أخبرنا وكيع قال حدّثنا
حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال حدّثني أيّوب بن عباية عن رجل من هذيل قال:
قدومه مكة و
التقاؤه بالمغنين بها
قال معبد:
غنّيت فأعجبني غنائي و أعجب الناس و ذهب لي به صيت [6] و ذكر، فقلت: لآتينّ مكّة
فلأسمعنّ من المغنّين بها و لأغنّينّهم و لأتعرّفنّ إليهم، فابتعت حمارا فخرجت
عليه إلى مكّة. فلمّا قدمتها بعت حماري و سألت عن المغنّين أين يجتمعون؟ فقيل:
بقعيقعان [7] في بيت فلان، فجئت إلى منزله بالغلس [8] فقرعت الباب، فقال:
من هذا؟ فقلت:
انظر عافاك اللّه! فدنا و هو يسبّح و يستعيد كأنه يخاف، ففتح فقال: من أنت عافاك
اللّه؟ قلت:
رجل من أهل
المدينة. قال:/ فما حاجتك؟ قلت: أنا رجل أشتهي الغناء، و أزعم أني أعرف منه شيئا،
و قد بلغني أنّ القوم [9] يجتمعون عندك، و قد أحببت أن تنزلني في جانب منزلك و
تخلطني بهم، فإنه لا مئونة عليك و لا عليهم منّي [10]. فلوى [11] شيئا ثم قال:
انزل على بركة اللّه. قال: فنقلت متاعي فنزلت في جانب حجرته. ثم جاء القوم حين
أصبحوا واحدا بعد واحد [12] حتى اجتمعوا، فأنكروني و قالوا: من هذا الرجل؟ قال:
رجل من أهل المدينة
[1]
لم نعثر على ضبطه و قد ضبطناه قياسا على تسميتهم «ربيح» بالتصغير.
[2] كذا في
ر. و في أ م،: «يا ابن عائشة» و في سائر النسخ: «يا ابن عاهة الدار».
[4] في س:
«أخبرني الحسين عن ابن حماد عن أبيه» و في ب، ر: «أخبرني الحسين بن حماد عن أبيه»
و في ح: «أخبرني الحسن بن حماد عن أبيه» و كلها أسانيد مضطربة. و قد اعتمدنا ما
أثبتناه في الصلب و قد تقدّم مرارا.
[5] كذا في
ح، ر. و في ت: «و متقدّمهم» و في سائر النسخ: «و المقدّم منهم عليهم».
[6] في ت، ح،
ر: «صوت». و الصوت و الصّات و الصّيت: الذكر.
[7] قعيقعان:
اسم قرية بها مياه و زروع و نخيل قرب مكة بينها و بين مكة اثنا عشر ميلا (ياقوت).