responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 1  صفحة : 67

لم يسمعا بمثله قطّ. فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هل سمعت كاليوم قطّ؟ قال: لا و اللّه! فما رأيك؟ قال ابن سريج: هذا غناء غلام يصيد الطير، فكيف بمن في الجوبة [1]!- يعني المدينة- قال: أمّا أنا فثكلته والدته إن لم أرجع. قال: فكرّا راجعين.

قدوم معبد مكة و ما وقع بينه و بين الغريض‌

قال: و قال معبد: قدمت مكة، فذهب بي بعض القرشيّين إلى الغريض، فدخلنا عليه و هو متصبّح [2]، فانتبه من صبحته و قعد، فسلّم عليه القرشيّ، و سأله فقال له: هذا معبد قد أتيتك به، و أنا أحبّ/ أن تسمع منه. قال: هات، فغنّيته أصواتا. فقال بمدرى [3] معه في رأسه، ثم قال: إنك يا معبد لمليح الغناء. قال:/ فاحفظني ذلك، فجثوت على ركبتيّ، ثم غنّيته من صنعتي عشرين صوتا لم يسمع بمثلها قطّ، و هو مطرق واجم قد تغيّر لونه حسدا و خجلا.

ما وقع بين معبد و بين حكم الوادي‌

قال إسحاق: و أخبرت عن حكم الواديّ قال: كنت أنا و جماعة من المغنّين نختلف إلى معبد نأخذ عنه و نتعلّم منه، فغنّانا يوما صوتا من صنعته و أعجب به، و هو:

القصر فالنخل فالجمّاء بينهما

فاستحسنّاه و عجبنا منه. و كنت في ذلك اليوم أوّل من أخذه عنه و استحسنه منّي فأعجبتني نفسي. فلما انصرفت من عند معبد عملت فيه لحنا آخر و بكّرت على معبد مع أصحابي و أنا معجب بلحني. فلما تغنّينا أصواتا قلت له: إنّي قد عملت بعدك في الشعر الذي غنّيتناه لحنا، و اندفعت فغنّيته صوتي، فوجم معبد ساعة يتعجّب منّي ثم قال: قد كنت أمس أرجى منّي لك اليوم، و أنت اليوم عندي أبعد من الفلاح. قال حكم: فأنسيت- يعلم اللّه- صوتي ذلك منذ تلك الساعة فما ذكرته إلى وقتي هذا.

ما وقع بين معبد و هو في طريقه إلى بعض أمراء الحجاز و بين العبد الأسود

قال إسحاق: و قال معبد: بعث إليّ بعض أمراء الحجاز- و قد كان جمع له الحرمان- أن اشخص إلى مكة، فشخصت. قال: فتقدّمت غلامي في بعض تلك الأيام، و اشتدّ عليّ الحرّ و العطش، فانتهيت إلى خباء فيه أسود و إذا حباب [4] ماء قد برّدت، فملت إليه فقلت: يا هذا، اسقني من هذا الماء. فقال لا. فقلت: فأذن لي في الكنّ [5] ساعة. قال لا. فأنخت ناقتي و لجأت إلى ظلّها فاستترت به، و قلت: لو أحدثت لهذا الأمير شيئا من الغناء أقدم به‌


[1] كذا في الأصل. و قد ذكر ياقوت للمدينة تسعة و عشرين اسما لم يذكر من بينها هذا الاسم. و أقرب الأسماء إليه «المحومة». فلعل ما هنا محرّف عنه، أو أنه هو الذي أطلق هذا الاسم على المدينة؛ لأن الجوبة هي الموضع ينجاب في الحرّة، و المدينة بين حرّتين تكتنفانها.

[2] التصبّح: النوم بالغداة.

[3] قال ابن الأثير: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال و تطلقه على غير الكلام و اللسان، فتقول: قال بيده أي أخذ، و قال برجله أي مشى‌

و قالت له العينان سمعا و طاعة

أي أومأت؛ و منه الحديث «قال بالماء على يده» أي قلب، و «قال بثوبه هكذا» أي رفعه، و كل ذلك على المجاز و الاتّساع. فهو هنا من هذا القبيل. و المراد أنه حكّ رأسه بهذه المدرى، و هي حديدة يحكّ بها الرأس.

[4] جمع حب (بالضم) و هي الجرّة صغيرة كانت أو كبيرة.

[5] الكنّ: ما وقاك من حرّ أو برد، أي ائذن لي في أن أستظلّ بكنك ساعة من جهد الحرّ و العطش.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 1  صفحة : 67
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست