- و هذا شعر هجوا به قديما- فقاموا إليه
ليتناولوه؛ فمنعهم العثمانيّ من ذلك و قال: ضحكتم منه حتى إذا أحفظتموه [4] أردتم
أن تتناولوه، لا و اللّه لا يكون ذلك! قال إسحاق: فحدّثني ابن سلّام قال أخبرني من
رآه على هذه الحال فقال له: أصرت إلى ما أرى؟ فأشار إلى حلقه و قال: إنّما كان
هذا؛ فلمّا ذهب ذهب كلّ شيء.
اعتراف
المغنين لمعبد بالتفوق و السبق في صناعة الغناء
قال إسحاق: كان
معبد من أحسن الناس غناء، و أجودهم صنعة، و أحسنهم حلقا [5]؛ و هو فحل المغنّين و
إمام أهل المدينة في الغناء، و أخذ عن سائب خاثر، و نشيط مولى عبد اللّه بن جعفر،
و عن جميلة مولاة بهز (بطن من سليم)، و كان زوجها مولى لبني الحارث بن الخزرج؛
فقيل لها مولاة الأنصار لذلك. و في معبد يقول الشعر:
أجاد طويس و السّريجي بعده
و ما قصبات السّبق إلا لمعبد
/ قال إسحاق قال ابن الكلبيّ عن أبيه: كان ابن
أبي عتيق خرج إلى مكة فجاء معه ابن سريج إلى المدينة، فأسمعوه غناء معبد و هو
غلام، و ذلك في أيام مسلم بن عقبة المرّيّ، و قالوا: ما تقول فيه؟ فقال: إن عاش
كان مغنّي بلاده. و لمعبد صنعة لم يسبقه إليها من تقدّم، و لا زاد عليه فيها من
تأخّر. و كانت صناعته التجارة في أكثر أيام رقّه، و ربّما رعى الغنم لمواليه، و هو
مع ذلك يختلف إلى نشيط الفارسيّ و سائب خاثر مولى عبد اللّه بن جعفر، حتى اشتهر
بالحذق و حسن الغناء و طيب الصّوت. و صنع الألحان فأجاد و اعترف له بالتقدّم على
أهل عصره.
أخبرني الحسين
بن يحيى قال قال حمّاد قرأت على أبي:
قال الجمحيّ:
بلغني أن معبدا قال: و اللّه لقد صنعت ألحانا لا يقدر شبعان ممتلئ و لا سقّاء يحمل
قربة على الترنّم بها و لقد صنعت ألحانا لا يقدر المتّكئ أن يترنّم بها حتى يقعد
مستوفزا [6]، و لا القاعد حتى يقوم.
قال إسحاق: و
بلغني أن معبدا أتى ابن سريج و ابن سريج لا يعرفه، فسمع منه ما شاء، ثم عرض نفسه
عليه و غنّاه و قال له: كيف كنت تسمع جعلت فداءك؟ فقال له: لو شئت كنت قد كفيت
بنفسك الطلب من غيرك. قال:
و سمعت من لا
أحصي من أهل العلم بالغناء يقولون: لم يكن فيمن غنّى أحد أعلم بالغناء من معبد.
قال: و حدّثني أيّوب بن عباية قال: دخلت على الحسن بن مسلم أبي العراقيب و عنده
جاريته عاتكة، فتحدّث فذكر معبدا فقال: