فالثور ههنا القطعة من الأقط، و
النهار فرخ الحبارى، فاذا استخرج هذا صحّ المعنى و إذا حمل على ظاهر لفظه كان
محالا.
و أدخل فيه الاسماء المشتركة مثل
المجنون الذي به الخبل و المجنون الذي جنّة الليل، و النبيذ الذي يشرب و النبيذ
الصبي المنبوذ، و العليّ المرتفع و العليّ الفرس الشديد، و الجرح المصدر من الجراح
و الجرح الكسب. و مثل ذلك كثير و قد جمعه أهل اللغة، و ممن جوزّه و جمع أكثره ابن
دريد في كتاب «الملاحن»، و قد ذكر عبد القاهر بعض تلك الملاحن[2].
و أدخل ابن رشيق اللغز في باب
الإشارة و قال:
«و من أخفى الاشارات و أبعدها اللغز و هو أن يكون للكلام ظاهر عجيب لا
يمكن و باطن ممكن عجيب»[3] كقول أبي المقدام:
و
غلام رأيته صار كلبا
ثم
من بعد ذاك صار غزالا
فقوله: «صار» بمعنى
عطف و ما أشبهه، و مستقبله يصور، و قد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ
الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ[4]. و قال الصفدي:
«اللغز هو أن تذكر شيئا بصفات يشاركه فيها غيره فيرجع الذهن في ذلك الى حيرة
لا يدري مصرفها الى أي متصف منهما بتلك الصفات لكونها تصدق من جهة و تكذب من أخرى.
و اشتقاقه من «اللغيزى» و هي حفر يحفرها اليربوع تحت الارض
و يجعلها متشبعة يمنة و يسرة ليخفي أمره على من يقصده فاذا طلبه في واحد منها خرج
من آخر»[5].
و قال السبكي: «اللغز و يسمى الأحجية و المعمّى و هو
قريب من التورية و أمثلته لا تكاد تنحصر، و فيه مصنفات للناس»[6].
و قال المدني: «الإلغاز مصدر ألغز الكلام و فيه أتيت به
مشتبها، قال ابن فارس: اللغز: ميلك بالشيء عن وجهه. و في الاصطلاح: أن يأتي
المتكلّم بكلام يعمي به المقصود بحيث يخفى على السامع فلا يدركه إلا بفضل تأمّل و
مزيد نظر»[7].