و كان السكاكي قد قال من قبل إنّ
الكناية تتنوع الى تعريض و تلويح و رمز و ايماء و اشارة، و قال: «متى كانت الكناية عرضية كان اطلاق اسم
التعريض عليها مناسبا»[2]، و تبعه ابن مالك و القزويني و
السبكي[3]، غير أنّ الأخير بحثه في البديع و قال: «التعريض و هو الدلالة بالمفهوم بقصد المتكلّم»[4]، و نهج منهج السكاكي أيضا
التفتازاني و المغربي[5].
و عقد الزركشي للكناية و التعريض
فصلا غير أنّه قال: «و أما التعريض فقيل إنّه الدلالة على
المعنى من طريق المفهوم، و سمّي تعريضا لأنّ المعنى باعتباره يفهم من عرض اللفظ أي
من جانبه و يسمى التلويح؛ لأنّ المتكلم يلوح منه للسامع ما يريده»[6] كقوله
تعالى:بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ[7]؛ لأنّ عرضه بقوله:فَسْئَلُوهُمْ على سبيل الاستهزاء و إقامة الحجة عليهم بما عرّض لهم به من عجز كبير
الاصنام عن الفعل مستدلا على ذلك بعدم إجابتهم إذا سئلوا و لم يرد بقوله:بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هذا نسبة الفعل الصادر عنه الى الصنم فدلالة هذا الكلام عجز كبير الاصنام
عن الفعل بطريق الحقيقة». و كلام الزركشي قريب من كلام ابن الاثير و السبكي
فالتعريض عنده «دلالة على المعنى من طريق المفهوم».
و عقد له الحموي فصلا مستقلا و
قال: «هو عبارة عن أن يكني المتكلم بشيء عن
آخر لا يصرح به ليأخذه السامع لنفسه و يعلم المقصود منه»[8]. و فعل مثله المدني الذي قال عنه: «التعريض هو الاتيان بكلام مشار به الى جانب
هو مطلوب و ابهام أنّ الغرض جانب آخر. و سمي تعريضا لما فيه من الميل عن المطلوب
الى عرض أي جانب»[9].
وعدّ السّيوطي الوجه الخامس و
العشرين من وجوه إعجاز القرآن الكريم «وقوع الكناية و التعريض» و ذكر الفرق بينهما و نقل بعض أقوال السابقين و
قال: «و أما التعريض فهو لفظ استعمل في
معناه للتلويح بغيره»[10]. و قال السجلماسي: «هو اقتضاب الدلالة على الشي بضده و نقيضه من قبل أنّ في ظاهر اثبات
الحكم لشي نفيه عن ضده و نقيضه»[11].
و يأتي التعريض لأغراض مختلفة ذكر
المدني منها:[12].
الأوّل: لتنويه جانب الموصوف كما
يقال: «أمر المجلس السامي نفذ و الستر الرفيع
قاصد لكذا» تعريضا بأنّ المعبر عنه أرفع قدرا و شأنا من أن يسع الذاكر له التصريح
باسمه و ترك تعظيمه بالسكينة.
و من ذلك قوله تعالى:تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ
بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ[13] أراد به محمدا- صلّى اللّه عليه و سلم- فلم يصرّح بذكره بل عرّض
إعلاء لقدره.
الثاني: لملاطفة، كما يقول الخاطب
لمن يريد خطبتها: إنّك لجميلة صالحة و عسى اللّه أن ييسر لي امرأة صالحة».