اسم الکتاب : الهيات المحاكمات المؤلف : الرازي، قطب الدين الجزء : 1 صفحة : 444
لم يره، فلا يكون الإدراك أعمّ من النيل.
لأنّا نقول: ما نال حبيبه، بل الحبيب ناله. و لم يقل: «لما هو عند المدرك» لأنّ
اللذّة ليست هي إدراك ماهيّة اللذيذ، بل إدراك حصوله له و وصوله إليه.
فالحاصل إنّ اللذّة لا تحصل بإدراك اللذيذ فقط، بل بإدراكه[1] و إدراك حصوله، و لا بمجرّد إدراك حصوله، بل و مع حصوله له[2] و هو النيل. و اللذيذ ما
هو عند المدرك كمال و خير، فالمعتبر كماليته و خيريته عنده لا في نفس الأمر.
فإن قلت: فالجاهل[3] بالجهل
المركّب يجب أن يكون ملتذّا به، و حينئذ إن بقي الجهل بعد موته فهو ملتذّ[4] به كما في الحياة، و إن لم يبق لم يتألّم، لأنّ سبب تألّمه هو الجهل
و قد زال. فأحد الأمرين لازم: إمّا إثبات لذّته بالجهل المركّب بعد الموت، أو نفي[5] عذابه، و هو خلاف ما صرّحوا به[6].
فنقول: لا نسلّم الالتذاذ بالجهل المركّب، و إنّما يلتذّ به لو نال
مدركه. لكن النيل و هو وجدانه يتوقّف على وجوده، و ليس بموجود [2]. و سيبيّنه
الشارح زيادة بيان.
و المشهور أنّ اللذّة إدراك الملائم، و الألم إدراك المنافي[7]. ثمّ يفسّرون الملائم بما يكون كمالا و خيرا للمدرك من حيث هو كذلك، و
المنافي[8] ما يكون آفة[9] و
شرّا للمدرك من حيث هو كذلك[10]. فما
ذكره الشيخ أقرب إلى التحصيل من المشهور، لأنّه لما احتيج إلى تفسير الملائم و
المنافي[11] بهذين التفسيرين فإيرادهما أولى، قصرا للمسافة و تفصيلا للجهل. و
أيضا فإنّه[12] ذكر النيل و قيّد الوصول، و قد بان أن لا بدّ منهما.
قال الإمام: فسّر الشيخ اللذّة و الألم بالكمال و الخير و الآفة و
الشرّ. فلا بدّ من العلم بهذه الأشياء.
أمّا[13] الخير و الشرّ فإن أراد بهما ما ذهب إليه من أنّ الخير هو الموجود و
الشرّ هو