اسم الکتاب : الهيات المحاكمات المؤلف : الرازي، قطب الدين الجزء : 1 صفحة : 442
نيله[1] أعظم، فإنّ المعشوق المنظور ما كان أحسن تكون لذّة رؤيته أكثر. و
لمّا كانت القوّة العقلية أشرف من القوّة الحسّية لأنّها مجرّدة و هي منغمسة في
المادّة، و إدراكها أقوى لأنّها عاقلة بذاتها و إدراك القوى الحسّية بالآلات، و
مدركات العقل أقوى لأنّها كلّيات من مدركات القوى و هي جزئيات[2] لا جرم تكون اللّذة[3] العقلية
أقوى من سائر اللذّات.
فإن قيل: نحن لا نلتذّ بالمعقولات و لا نتألّم من الجهالات، فلو
كانت[4] اللّذّة العقلية أقوى وجب أن يكون التذاذنا بالمعقولات[5] فوق ما نلتذّ بالمحسوسات. و ليس كذلك، بل[6] لا نجد لذّة أصلا[7]!/ 34SA / فالجواب:
إنّ اللذّة ليست نفس إدراك الملائم، بل حالة تابعة لإدراك الملائم[8]، فمن البيّن إنّا إذا أدركنا
ملائما حصلت لأنفسنا حالة أخرى بحسبه هي اللذّة، فإدراك الملائم و المنافي[9] و إن اقتضى اللّذّة و الألم إلّا أنّ هذا الاقتضاء لا يوجب وجود تلك
الحالة[10] عند الإدراك دائما. فربّما يتوقّف حصولها على وجود شرط أو ارتفاع
مانع، و لا شك أنّ للنفس ألفا بالمحسوسات و الشهوات و اتّصافا[11] بالأخلاق الذميمة، فلعلّ ذلك مانع من وجدان اللذّة بالمعقولات، كما
أنّ المريض الممرور الّذي[12] تغلب
عليه مرّة الصفراء لا يلتذّ بالحلاوي، بل يعافّها و يكرهها.
لا يقال: أثبتوا للّه- تعالى- لذّة عقلية، فلو كانت اللذّة حالة زائدة
على الإدراك لزم وجود أمر زائد في ذاته- تعالى-، و إنّه محال.
لأنّا نقول: اللذّة فينا معنى زائد على إدراك[13] الملائم، بخلاف اللذّة في الباري- تعالى[14]-، كما في العلم و القدرة و
غيرهما من الصفات.
أو نقول: اللّذّة ليست هي إدراك الملائم فقط، بل إدراك و نيل
للملائم[15]. و نيل المعقولات يشبه حالة العيان بعد حال الغيبة، و لهذا قال: من
كملت[16] قوّته العلمية يجد