الثالث: الاجتهاد في تحصيل رضا
المنعم بقدر الاستطاعة. و إنّما يكون ذلك بمحبّته في باطنه و ثنائه و تعظيمه على
وجه يليق بكبريائه، و اجتهاده بما ينبغي من المكافأة لخدمته و اعترافه بالعجز.
[الرابعة: فيما يقارن السالك]
الرابعة: في ما يقارن السالك، و
هو امور:
[الإرادة]
الأوّل: الإرادة. و هي مشروطة بثلاثة
أشياء: الشعور بالمراد، و الشعور بالكمال الذي يحصل به، و عينيّة المراد. فإن كان
المراد من الامور التي يمكن حصولها من السالك و انضمّت القدرة إلى الإرادة حصل
المراد. و إن كان من الامور الموجودة الغائيّة فبسببها وصل إلى المراد، و إن كان
في وصوله توقّف اقتضت الإرادة حالة في المريد تسمّى شوقا.
ثمّ الإرادة إنّما تكون مقارنة للسلوك باعتبار،
و مقتضية له باعتبار آخر فإنّ طلب الكمال نوع من الإرادة، و إذا انقطعت الإرادة
بسبب الوصول أو العلم بامتناعه انقطع السلوك. و الإرادة المقارنة للسلوك تختصّ
بأهل النقصان، و أمّا أهل الكمال فإرادتهم عين المراد. و من وصل في السلوك إلى
درجة الرضا انتفت إرادته، و من هنا قال بعضهم:
لو قيل لي: ما تريد؟ قلت: اريد أن لا اريد.
[الشوق]
الثاني: الشّوق. و هو حالة تلزم فرط
الإرادة ممزوجة بألم الفراق، و في حال السلوك بعد اشتداد الإرادة يصير ضروريّا. و
يجوز حصوله قبل السلوك إذا حصل الشعور بكمال المطلوب و انضمّت إليه القدرة، و
يقتضي الصبر على المفارقة. و السالك كلّما أمعن في الترقّي ازداد شوقه و قلّ صبره،
إلى أن يصل إلى مطلوبه، فيخلص له اللذّة بنيل الكمال عن شائبة الألم، فينتفي
الشوق.
[المحبّة]
الثالث: المحبّة. و هي الابتهاج بحصول
كمال أو تخيّل وصول كمال مظنون أو محقّق ثابت في المشعور به. و بوجه آخر هي ميل
النفس إلى ما في المشعور به من كمال أو لذّة.
و لمّا كانت اللذّة إدراك الملائم- أعني: نيل
الكمال- لم تخل المحبّة من لذّة أو تخيّل لذّة. و هي قابلة للشدّة و الضعف، و أوّل
مراتبها الإرادة، فإنّها محبّة أيضا ثمّ يقارنها