و إزالة الموانع الدنيويّة عن خاطره، و المعين
على ذلك أيضا هو إضعاف قواه الشهوانيّة و الغضبيّة بإضعاف حواسّه بتقليل الأغذية و
التنوّق فيها، فإنّ لذلك أثرا عظيما في حصول الكمال، و التأهّل لخدمة حضرة ذي
الجلال، كما قال فيثاغورس[1]: عودوا أنفسكم الشيء الطفيف[2] فإنّه أقلّ
لاحتياجكم و أشبه بكم بالمبدإ الأوّل، فإنّه غير محتاج.
ثمّ الغرض من الرياضة امور ثلاثة:
أوّلها: إزالة الموانع عن
الوصول إلى الحقّ، و هي الشواغل الظاهرة و الباطنة.
و ثانيها: جعل النفس الحيوانيّة
مطاوعة للعقل العمليّ، الباعث على طلب الكمال.
و ثالثها: جعل النفس مستعدّة
لقبول فيض الحقّ لتصل إلى كمالها الممكن لها.
[المحاسبة]
الخامس: المحاسبة. و هي أن
ينسب السالك طاعاته إلى معاصيه ليعلم أيّهما أكثر، فإن فضّلت طاعاته نسب قدر الفاضل
إلى نعم اللّه تعالى عليه التي هي وجوده، و الحكم المودعة في خلقته، و الفوائد
التي أظهرها في قواه، و دقائق الصنع التي أوجدها في نفسه، التي هي تدرك العلوم و
المعقولات فإذا نسب فضل طاعته إلى هذه النعم التي لا تحصى كما قال سبحانه: وَ إِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها[3]، و وازنها ... وقف على
تقصيره و تحقّقه. فإن ساوت طاعاته معاصيه تحقّق أنّه ما قام بشيء من وظائف
العبوديّة، و كان تقصيره أظهر له. و إن فضلت معاصيه فويل ثمّ ويل. فإذا عمل السالك
ذلك مع نفسه لم يصدر منه غير الطاعة، و عدّ نفسه مقصّرا دائما. و إذا لم يفعل ذلك
وقع في العذاب الأبديّ و الخسران السرمديّ. و يتبع المحاسبة المذكورة المراقبة، و
هي أن يحفظ ظاهره و باطنه لئلّا يصدر عنه شيء يبطل به حسناته التي عملها، و ذلك
أن يلاحظ أحوال نفسه
[1]فيثاغورس بن منسارخس من أهل ساميا. و
كان في زمان سليمان النبيّ عليه السّلام، قد أخذ الحكمة من معدن النبوّة، و هو
الحكيم الفاضل ذو الرأي المتين و العقل الرصين، يدّعي أنّه شاهد العوالم العلويّة
بحسّه و حدسه. و هو أوّل من نطق في الأعداد و الحساب و الهندسة، إليه يعزى تقويم
الحساب المعروف ب «جدول فيثاغورس» في الضرب. تاريخ اليعقوبي 1:
119، الملل و النحل 2: 78، تاريخ الحكماء
للقفطي: 355.
[2]الطفيف: مثل القليل وزنا و معنى.
المصباح المنير: 374.