اسم الکتاب : البلاغة الواضحة، البيان و المعاني و البديع للمدارس الثانوية المؤلف : علی جارم الجزء : 0 صفحة : 124
عظيم فى قومه، جواد، فعدلت عن التصريح بهذه الصفات إلى الإشارة إليها
و الكناية عنها، لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه، و يلزم من طول الجسم
الشجاعة عادة، ثم إنه يلزم من كونه رفيع العماد أن يكون عظيم المكانة فى قومه و
عشيرته، كما أنه يلزم من كثرة الرّماد كثرة حرق الحطب، ثم كثرة الطبخ، ثم كثرة
الضيوف، ثم الكرم، و لما كان كل تركيب من التراكيب السابقة، و هى بعيدة مهوى
القرط، و طويل النجاد، و رفيع العماد، و كثير الرماد، كنى به عن صفة لازمة لمعناه،
كان كل تركيب من هذه و ما يشبهه كناية عن صفة.
و فى المثال الثالث أراد الشاعر أن يقول: إن اللغة العربية وجدت فيك
أيتها المدرسة مكانا يذكرها بعهد بدواتها. فعدل عن التصريح باسم اللغة العربية إلى
تركيب يشير إليها و يعدّ كناية عنها و هو «بنتعدنان».
و فى المثال الرابع أراد الشاعر وصف ممدوحيه بأنهم يطعنون القلوب وقت
الحرب فانصرف عن التعبير بالقلوب إلى ما هو أملح و أوقع فى النفس و هو «مجامعالأضغان»؛ لأن القلوب تفهم منه إذ هى
مجتمع الحقد و البغض و الحسد و غيرها.
و إذا تأملت هذين التركيبين و هما: «بنتعدنان» و «مجامعالأضغان» رأيت أن كلّا منهما كنى به عن ذات لازمة لمعناه، لذلك كان
كل منهما كناية عن موصوف و كذلك كل تركيب يماثلهما.
أما فى المثال الأخير فإنك أردت أن تنسب المجد و الكرم إلى من
تخاطبه، فعدلت عن نسبتهما إليه مباشرة و نسبتهما إلى ما له اتصال به، و هو الثوبان
و البردان، و يسمى هذا المثال و ما يشبهه كناية عن نسبة.
و أظهر علامة لهذه الكناية أن يصرح فيها بالصفة كما رأيت، أو بما
يستلزم الصفة، نحو: فى ثوبيه أسد، فإن هذا المثال كناية عن نسبة الشجاعة.
و إذا رجعت إلى أمثلة الكناية السابقة رأيت أن منها ما يجوز فيه
إرادة المعنى الحقيقى الذى يفهم من صريح اللفظ، و منها ما لا يجوز فيه ذلك.
اسم الکتاب : البلاغة الواضحة، البيان و المعاني و البديع للمدارس الثانوية المؤلف : علی جارم الجزء : 0 صفحة : 124