اسم الکتاب : الأشباه و النظائر في النحو المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 307
جمعت بينهما فقلت عارفنه أو عارفوه لم يجز شيء من ذينك، و إنما هذا
لمعاملة الحاضر و إطراح حكم الغائب فاعرفه و قسه فإنه باب واسع.
المبحث الثالث: في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد
قال ابن جنّي: هذا موضع بحث قلما وقع تفصيله و هو معنى يجب أن ينبه
عليه و يحرر القول فيه.
من ذلك قولهم في ضمة الذال من قولك: ما رأيته مذ اليوم إنهم يقولون:
في ذلك إنهم لما حركوها لالتقاء الساكنين لم يكسروها لكنهم ضموها. لأن أصلها الضم
في: منذ كذا لعمري!! لكنه الأصل الأقرب، ألا ترى أن أول حال هذه الذال أن تكون
ساكنة و أنها إنما ضمت لالتقاء الساكنين إتباعا لضمه الميم، فهذا على الحقيقة هو
الأصل الأول، فأما ضمّ ذال منذ فإنما هو بعد سكونها الأول المقدر، و يدلّ على أن
حركتها إنما هي لالتقاء الساكنين أنه لما زال التقاؤهما سكنت الذال في مذ و هذا
واضح، فضمة الذال إذن من قولهم مذ اليوم إنما هو ردّ إلى الأصل الأقرب الذي هو منذ
دون الأبعد المقدر الذي هو سكون الذال في منذ قبل أن تحرك، و لا يستنكر الاعتداد
بما لم يخرج إلى اللفظ لأن الدليل إذا قام على شيء كان في حكم الملفوظ به و إن لم
يجر على ألسنتهم استعماله، ألا ترى إلى قول سيبويه في (سردد) أنه إنما ظهر تضعيفه
لأنه ملحق بما لم يجئ و قد علمنا أن الإلحاق إنما هو صناعة لفظية، و مع هذا فلم
يظهر ذاك الذي قدره ملحقا هذا به، فلو لا ما يقوم الدليل عليه مما لم يظهر إلى
النطق بمنزلة الملفوظ به لما ألحقوا سرددا بما لم يفوهوا به.
و من ذلك قولهم: بعت و قلت، فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون
الأبعد، لأن أصلهما فعل بفتح العين بيع و قول، ثم نقلا من فعل إلى فعل و فعل، ثم
قلبت الواو و الياء في فعلت ألفا فالتقى ساكنان العين المعتلة المقلوبة ألفا و لام
الفعل، فحذفت العين لالتقائهما فصار التقدير قلت و بعت، فهذه مراجعة أصل، إلا أنه
ذلك الأصل الأقرب لا الأبعد، ألا ترى أن أول أحوال هذه العين في صيغة المثال إنما
هو فتحة العين التي أبدلت منها الضمة و الكسرة و هذا واضح.
و من ذلك قولهم في (مطايا) و (عطايا): أنهما لما أصارتهما الصنعة إلى
مطاء و عطاء أبدلوا الهمزة على أصل ما في الواحد و هو الياء في مطية و عطية، في
الأصل مطيوة و عطيوة لأنهما من مطوت و عطوت، فأصل الياء فيهما الواو و لوحظ ما
فيهما
اسم الکتاب : الأشباه و النظائر في النحو المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 307