و تقع (أن) بمعنى (الذي) كقولهم: زيد أعقل من أن يكذب، أي: من الذي
يكذب.
قال ابن هشام: فأما وقوع (الذي) مصدرية فقال به يونس و الفراء و
الفارسي و ارتضاه ابن خروف و ابن مالك، و جعلوا منه:ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ
عِبادَهُ [الشورى: 23]،وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا [التوبة: 69] و أما عكسه فلم أعرف قائلا به، و
الذي جرى عليه إشكال هذا الكلام بأن ظاهرة تفضيل زيد في العقل على الكذب و هذا لا
معنى له، و نظائر هذا التركيب مشهورة الاستعمال و قلّ من يتنبه لإشكالها.
قال: و ظهر لي توجيهان:
أحدهما:أن يكون في الكلام تأويل على تأويل فيؤوّل (أن) و الفعل بالمصدر
فيؤوّل إلى المعنى الذي أراده و لكن بوجه يقبله العلماء، ألا ترى أنه قيل في قوله
تعالى:وَ ما كانَ
هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى [يونس: 37] أن التقدير: ما كان افتراء، و معنى هذا: ما كان مفترى.
الثاني:أن (أعقل) ضمن معنى (أبعد)، فمعنى المثال: زيد أبعد من الكذب لفضله
من غيره (فمن) المذكورة ليست الجارّة للمفضول بل متعلّقة بأفعل لما تضمّنه من معنى
البعد لا لما فيه من المعنى الوصفيّ، و المفضل عليه متروك أبدا مع أفعل هذا لقصد
التعميم، و في (شرح الدرة) لابن القوّاس: شبهت (ليس) بلا فحملت عليها في العطف كما
حملت (لا) عليها في العمل، قال بعضهم في قوله تعالى:وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا
لَيُوَفِّيَنَّهُمْ [هود: 11]، خرّج
المازني الآية على أنّ (إنّ) و إن كانت مشدّدة فهي النافية بمعنى (ما) ثقلت كما
أنّ (إنّ) المشددة لا تخفّف و هذا من التقارض.
فائدة: تقارض إلّا و غير
قال الزمخشري (في المفصّل)[1]: و اعلم أن إلّا و غير يتقارضان ما لكل واحد
منهما.
[89] - الشاهد لجميل في ديوانه (ص 46) «منحبّ بثنة»، و شرح شواهد المغني (ص 896)، و لذي الرمّة في ديوانه
(1194) ، و الخزانة (4/ 74)، و الزهرة
[137] ، و بلا نسبة في مغني اللبيب (2/ 547).