الحلّة
الفيحاء مدينة كبيرة تقع بين الكوفة و بغداد، بناها سيف الدولة الأسدي لمّا نزل
بها في محرم سنة 495 ه، فبنى بها المساكن الجليلة و الدور الفاخرة، و تأنّق
أصحابه في مثل ذلك، فصارت ملجأ، و قد قصدها التجّار فصارت أفخر بلاد العراق و
أحسنها مدة حياة سيف الدولة، فلمّا قتل بقيت على عمارتها.[1]
و قد بخس
الحموي حق المؤسّس أو لم تسنح له الفرصة لأداء حقّه، فلم يذكر عنه إلّا شيئا
طفيفا، مع أنّ لهذا الأمير، المساعي المشكورة و الأيادي البيض في تأسيس الحلّة
الفيحاء و جعلها مقر إمارته و عاصمة ملكه، و إنشائه المعاهد العلمية فيها حتّى
أصبحت محط رجال العلماء و دار هجرة الأدباء بعد ما كانت قاعدة إمارة آبائه بلدة
النيل، و كانت له رغبة باقتناء الكتب، فألّف خزانة كتب قيّمة.
فإذا كان
هذا حال الأمير فبه يعرف حال الرعايا، فلم تزل تربة الحلّة تربة خصبة تربّي
العلماء و الأدباء و الشعراء في أحضانها، و كفى فخرا لها انّ الفقيه البارع محمد
بن إدريس (المتوفّى 598 ه) صاحب السرائر، و نجم الدين أبا القاسم جعفر بن الحسن
المعروف بالمحقّق الحلي (المتوفّى 676 ه)، و ابن أخته نابغة الآفاق الإمام حسن بن
المطهر الحلّي (المتوفّى 726 ه)، و عشرات من أمثالهم من أبنائها.