اسم الکتاب : المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 1 صفحة : 31
وقتها أم في آخره. و الحديث الآخر دلّ على كون الصلاة في أوّل وقتها
أفضل الأعمال مطلقا، و العمل بهما معا ممكن من غير منافاة، فإنّ الصلاة مطلقا إذا
كانت أفضل من غيرها من العبادات كان الفرد الكامل منها أفضل الأعمال قطعا بالنسبة
إلى باقي أفرادها و إلى غيرها، مع أنه خبر ابن مسعود ليس في قوّة خبرنا الصحيح، بل
إسناده غير معلوم، فلا يصلح للتقييد لو توقّف الأمر عليه.
الثاني: ظاهر الحديث يقتضي
نفي أفضليّة غير الصلاة عليها
، و المطلوب
أفضليّتها على غيرها، و أحدهما غير الآخر، فإنّ قوله عليه السّلام: «لا أعلم أفضل
منها»[1] لو سلّم منه نفي وجود الأفضل لا يدل على نفي وجود
المساوي، و المطلوب لا يتم بدونه، فإنّ الفرق واضح بين إثبات أفضلية شيء من غيره،
و بين نفي أفضلية غيره منه.
و يمكن
الجواب بأنّ نفي المساوي و إن لم يعلم من نفس الجواب لكن علم بوجه آخر، و هو أنّ
السؤال إنّما وقع عن الأفضل كما في قوله: سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى
ربّهم و أحبّ ذلك إلى اللّه عزّ و جل ما هو[2]؟ فلو كان غير
الصلاة مساويا لها في الفضيلة لزم منه عدم مطابقة الجواب للسؤال، و خبر ابن مسعود
أوضح دلالة من الحديث الأوّل، بل السؤال ساقط عنه رأسا؛ لأنّه سأله عن أفضل
الأعمال فأجاب بأنّه الصلاة[3]، و في سقوط السؤال
عن الحديث الآخر بحث.
و يمكن أن
تستفاد الأفضلية من مثل هذه العبارة من العرف العام، فإنّ أهل اللسان كثيرا ما
يستعملون ذلك في شيء و يريدون أنّه أفضل من غيره، لا نفي أفضليّة غيره عليه خاصة،
و يتأكد ذلك بدلالة المقام عليه و إرشاد أوّل السؤال إليه كما بينّاه.
الثالث: قد تحقّق في الأصول
أنّ المعرفة من العبادات التي لا تتحقّق فيها القربة و لا تتوقّف على النيّة
؛ لتوقّف
نيّة القربة على معرفة المتقرّب إليه، فلو توقّفت المعرفة عليها دار، و السؤال في
الحديث وقع عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم، و ذلك