اسم الکتاب : مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين المؤلف : ملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 273
لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ[1]، و لا مجال للعقل في تحسين الافعال و تقبيحها
بالنسبة إليه، بل يحسن منه كلّ ما يفعل في ملكه؛ لانه يفعل في ملكه لا في ملك
غيره؛ و هذه الاسباب التى ارتبط بها وجود الاشياء بحسب الظاهر ليست اسبابا
بالحقيقة و لا مدخل لها في الوجود لشيء، بل انما هى اسباب عادية جرت سنّة اللّه و
عادته بأن توجد تلك الاسباب، ثم توجد عقيبها مسبباتها، و كلها صادرة منه ابتداء من
غير ترتّب بعضها على بعض و توقّف بعض على بعض. و قالوا: فى ذلك تعظيم لقدرة اللّه
و تقديس له عن شوائب النقصان في الحاجة الى غيره.
و لا شك ان هذا المذهب فيه ابطال للحكمة و الترجيح، و عزل للعقل عن
قضاياه على الرأى الصحيح، و سدّ لاثبات الصانع، و غلق لابواب الفكر في الصانع. و
أيضا فيما ذكروه تجويز للظلم على البارى، و وضع[2]الاشياء في غير مواضعها، حتى انه يجوز عليه عندهم تعذيب
الأنبياء عليهم السّلام عقلا، و تكريم الكفار في دار القرار، و اخذ الصاحبة و
الولد و الشريك، الى غير ذلك من المفاسد القبيحة التى مبناها على ابطال الحكمة و
العقل، و في ابطاله ابطال النقل أيضا، لان اثبات النقل انما يكون بالعقل. تعالى
البارى القيوم عما يقولون علوّا كبيرا.
[المذهب الثالث]
و ذهب آخرون الى ان اللّه تعالى قادر على كل شيء، لكن الاشياء في
قبول الوجود متفاوتة، فبعضها لا يقبل الوجود الّا بعد وجود الآخر، كالعرض الّذي لا
يوجد الّا بعد وجود الجواهر، و كالمركب الّذي لا يوجد الّا بعد وجود البسيط.
فقدرته تعالى فى غاية الكمال تفيض الوجود على الممكنات بحسب قابلياتها المتفاوتة.
فبعضها صادر عن قدرته بلا سبب، و بعضها بسبب او اسباب. و ليس في ذلك لزوم الاحتياج
له تعالى في ايجاد ذى الوسط الى ذلك الوسط حتى يكون ذلك الوسط كالآلة فيمن