اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 413
السنوخ و اللحوق من خواص الماديات و في عالم الملكوت الصرف لا يكون
تجدد آفة أو ضعف أو كلال. فكل ما انخرط في سلك الملكوتيّين لا ينحط عن تلك المرتبة
و نفوس الأنبياء و الأولياء و إن كانت في غاية الاتصال المتصور في حق النفوس ما
دامت كونها نفوسا بعالم القدرة و العظمة و الجلال و بحسب ذلك الاتصال صدرت عنهم
الآثار الغريبة و الأحوال العجيبة لكن لم تخل تلك النفوس القدسية عن شائبة تعلق ما
بالأجرام و عن نسبة ما وضعية لأبدانهم بالقياس إلى ما يؤثرون فيه، و لو كانوا
متصلين بذلك العالم اتصالا كليا بلا شائبة تعلق بعالم الوهم و الخيال و الشبح. و
المثال التي لا تعلق لها إلا بالمادة و الأجسام لكانوا متساوي النسبة في التأثير
إلى جميع الأشخاص و الأوضاع و الأمكنة و الأزمنة و لا تحتبس نفوسهم بالانحصار في
تعلقها ببدن مخصوص دون غيره، و أيضا لما كان وجود الصادر الأول واسطة لصدور ذوات
مجردة بالكلية هي معشوقات للأفلاك في حركاتها و أسباب لإخراج كمالاتها عن القوة
إلى الفعل و بديهة العقل شاهدة بأن النفس المصحوبة للقوة و الاستعداد لا يمكن أن
تكون علة للعقول الفعالة التي هي في جميع كمالاتها بالفعل.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون جوهر مجرد مركب من جزءين و يكون الصادر
الأول أحد جزئيه و المركب نفسا و توقف الكل في الفعل على الآلة الجزئية لا يستلزم
توقف الجزء؟ قلنا: جزئية العقل للنفس على تقدر جوازه لا ينافي وجود المطلوب إثباته
على وجه السبق، فإنّا لا ندعي إلا وجود جوهر فاعل بدون الآلة سواء كان جزء لأمر
آخرا و لم يكن و سواء فعل بآلة أيضا أو لم يفعل. ثم إن ظهر امتناع شيء من ذلك كان
مسألة أخرى غير متعلقة بمطلوبنا و بهذا يخرج جواب آخر عن الاعتراض الثاني للشارح
كما لا يخفى لا يقال: إنكم قد قررتم أن الوسائط ليست مؤثرة لما تحتها، بل شرطا
لوجودها فيجوز أن يكون النفس شرطا لوجود العقل لأنّا نقول: إذا كان في سلسلة
الإيجاد عقل و نفس و كان أحدهما سببا و شرطا لوجود الآخر فلا بد و أن يكون الأقوى
و الأشرف مقدما في الوجود على الأضعف و الأخس، إذ المعية بينهما يوجب صدور الكثير
بجهة واحدة و عكس ذلك يوجب الترجيح للمرجوح.
فالحاصل إن أول ما يصدر عن الواجب تعالى يجب أن يكون أمرا واحدا
بالفعل مستقلا في الوجود و التأثير و غير الجوهر العقلي لا يكون لانتفاء الوحدة من
الجسم و الفعلية من الهيولى و استقلال الوجود بحسب الماهية من العرض و بحسب التشخص
من الصورة و استقلال التأثير من النفس لكونها جسمانية الفعل و إن كانت مجردة.
فهذه
اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 413