أقول: الأقرب إلى الصواب هو الرأي الأول المنسوب إلى الحكماء الفرس و
الأقدمين من مصر و اليونان لأن تلك العلوم الجمة الحاصلة في نفوس الأفلاك أما أن
تكون كلية أو جزئية، فإن كانت كلية فليست في مقصودنا من شيء لأن الكلام في القوى
المنطبعة الفلكية و إدراكاتها الجزئية و إن كانت جزئية فلتغيرها و عدم اجتماعها
لتضاد بعضها مع البعض لا تحصل دفعة واحدة فإن مناط الجزئية أما التخليل و الإحساس
إذا كان المعلوم ماديا أو العلم الحضوري إذا لم يكن كذلك. و كلامنا في الأول ظاهر
أن ذلك لا يكون إلا شيئا فشيئا و بحسب تعاقب الاستعدادات و توارد الانفعالات. و
أما أن النسب الصمية أدل على القدرة و أعلى في الإيجاد فمحل نظر، بل العددية أشرف
كما يدل عليه صناعة الموسيقي الحاكمة بأن النغمات التأليفية العددية النسب أشرف من
غيرها و هل ذلك إلا كقول من يقول: النغمات الغير المنتظمة و الأشعار الغير
الموزونة أعلى في القدرة و أدلّ على كمال صانعها من غيرها لعدم انحصارها و انحصار
المنتظمات و الموزونات. و أما الرموز القرآنية فلها محامل و تأويلات غير ما ذكر، و
اللّه أعلم بحقائق أسراره و رموز آياته.