والعقل ليس عجزه عن تصور الأشياء التى هى فى غاية المعقولية ، والتجريد عن المادة لأمر فى ذات تلك الأشياء ، ولا لأمر فى غريزة العقل ، بل لأجل أن النفس مشغولة فى البدن بالبدن ، فتحتاح فى كثير من الأمور إلى البدن ، فيبّعدها البدن عن أفضل كمالاتها.
وليست العين إنما لا تطيق أن تنظر إلى الشمس لأجل أمر فى الشمس وأنها غير جلية ، بل لأمر فى جبلّة بدنها. فإذا زال عن النفس منا هذا الغمور وهذا العوق كان تعقّل النفس لهذه أفضل التعقلات للنفس وأوضحها وألذها.
ولأن كلامنا فى هذا الموضع إنما هو فى أمر النفس من حيث هى نفس ، وذلك من حيث هى مقارنة لهذه المادة. فليس ينبغى لنا أن نتكلم فى أمر معاد النفس ـ ونحن متكلمون فى الطبيعة ـ إلى أن ننتقل إلى الصناعة الحكمية وننظر فيها فى الأمور المفارقة. وأما النظر فى الصناعة
[١] قال فى ص ٤٧٦ ج ١ من المباحث فى فصل امكان اجتماع التعقلات الكثيرة فى النفس دفعة واحدة : « اذا عرّفنا الشىء بحدّه لا يكون العلم باحد اجزائه مثل الجنس وحده او الفصل وحده مفيدا للعلم بتمام حقيقته فلو استحال حصول العلم بكل اجزائه دفعة واحدة لاستحال العلم فى وقت من الاوقات بحقيقته فهذا بيان امكان حصول التصورات الكثيرة.
وأما أنه يمكن حصول التصديقات الكثيرة فلان المقدمة الواحدة لا تنتج فلو استحال حصول العلم بالمقدمتين معا لاستحال حصول العلم بالنتيجة ... ان القوة الخيالية لا تقوى على استحضار امور كثيرة وتخيلات مختلفة دفعة واحدة لانها كيف كانت لا تتم الا بآلة جسمانية واما القوة العقلية فانها تقوى على ذلك والذى نجد من انفسنا كالمتعذر عائد الى القوة الخيالية لا الى القوة العقلية.