وأما الذى يتوهم [١] من أن النفس إذا كانت تنسى معقولاتها ولا تفعل فعلها مع مرض البدن وعند الشيخوخة فلذلك لها بسبب أن فعلها لا يتم إلا بالبدن ، فظنّ غير ضرورى ولا حقّ ، وذلك أنه قد يمكن أن يجتمع الأمران جميعا ، فتكون النفس لها فعل بذاتها إذا لم يعق عائق ولم يصرف عنه صارف ، وأنها أيضا قد تترك فعلها الخاص مع حال يعرض للبدن فلا تفعل حينئذ فعلها وتصرف عنه ، ويستمر القولان من غير تناقض [٢]. وإذا كان كذلك لم يكن إلى هذا الاعتراض التفات.
ولكنا نقول : ان جوهر النفس له فعلان : فعل له بالقياس إلى البدن ، وهو السياسة. وفعل له بالقياس إلى ذاته وإلى مبادئه وهو الإدراك بالعقل ؛ وهما متعاندان متمانعان ، فإنه إذا اشتغل بأحدهما انصرف عن الآخر ، ويصعب عليه الجمع بين الأمرين. وشواغله [٣] من جهة البدن الإحساس [٤] والتخيل والشهوات والغضب والخوف والغم والفرح والوجع.
وأنت تعلم هذا بأنك إذا أخذت تفكر فى معقول تعطّل عليك كل شىء من هذه ، إلا أن تغلب هى النفس وتقسرها رادّة إياها إلى جهتها.
[١] قوله : « واما الذى يتوهم » اقول : هذا السؤال وجوابه يتضمن برهانا آخر على تجرد جوهر النفس الناطقة كما قد جعله الشيخ نفسه الحجة التاسعه من رسالته « الحجج العشر » على ذلك. وكذلك جعله ابو البركات فى « المعتبر » الحجة العاشرة. وصدر المتألهين فى « الاسفار ». الحجة الحادية عشر. والحكيم السبزوارى فى « اسرار الحكم » البرهان الحادى عشر أيضا. وراجع فى تفصيل ذلك كتابنا عيون مسائل النفس. [٢] لان احدهما ذاتى والآخر عرضى. [٣] مبتدأ. [٤] خبر.