اسم الکتاب : الشفاء - الطبيعيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 112
و كل[1]جوهر محسوس فله مكان، فللمكان مكان إلى غير نهاية، و إن كان جوهرا
معقولا فيستحيل أن يقال: إن الجوهر المحسوس يفارقه و يقارنه، لأن المعقولات لا
إشارة إليها و لا وضع لها، و كل ما يقارنه[2]الجوهر المحسوس أو يفارقه فهو ذو إشارة إليه و وضع له[3]، و إن كان عرضا[4]فالذى يحله هذا العرض هو كالذى يحله البياض، و الذي يحله البياض
يشتق[5]له منه الاسم، فيقال مبيض و أبيض فالجوهر الذي يحله المكان يجب أن
يشتق له منه الاسم فيكون هو المتمكن[6]فيكون
مكان المتمكن عرضا فيه، فيلزم أن يلزمه فى النقلة، و يصير معه حيث صار. و إذا[7]كان[8]كذلك كان منتقلا[9]معه.
و المكان كما تزعمون ليس هو المنتقل معه، بل[10]المنتقل فيه[11]، و أيضا فإن المكان لا يخلو
إما أن يكون جسما و إما أن يكون غير جسم، فإن كان جسما و المتمكن يكون فيه
فالمتمكن مداخل له، و مداخلة الأجسام بعضها بعضا محال. ثم كيف يكون جسما و لا هو
بسيط من الأجسام و لا مركب منها، و إن كان غير جسم فكيف يقولون إنه يطابق الجسم و
يساويه، و مساوى الجسم جسم. و أيضا فإن الانتقال ليس إلا الاستبدال لقرب و بعد و
كما أن هذا الاستبدال قد[12]يقع
للجسم فكذلك[13]قد يقع للسطح و للخط و للنقطة[14].
فإن كان الانتقال يوجب للمنتقل مكانا، فيجب أن يكون للسطح[15]مكان، و للخط مكان، بل و للنقطة مكان.
و معلوم أن مكان النقطة يجب أن يكون مساويا لها. إذ جعلتم المكان
مساويا للتمكن[16]حتى لا يسعه غيره، و ما يساوى النقطة نقطة. فمكان[17]النقطة نقطة، فلم صارت إحدى النقطتين مكانا و الأخرى متمكنة: بل عسى
أن تكون كل واحدة[18]منهما مكانا و متمكنا، فتكون بالقياس الأخذ منها إلى الأخرى[19]متمكنة، و بالقياس الآخذ من الأخرى إليها مكانا. و هذا مما حظرتموه
حين أبيتم أن يكون المكان متمكنا فى المتمكن فيه[20]. و زادوا فقالوا: إن كان للنقطة مكان فبالحرى أن يجعلوا لها[21]ثقلا و خفة[22]. قال
ذلك خصوصا القوم الذين نفوا الحركة، فقالوا لا معنى يوجب للجسم مكانا و حركة إلا و
مثله يوجب للنقطة مكانا و حركة. فإن جوزتم فى النقطة حركة، فقد أعطيتموها ميلا إلى
جهة[23]، و جعلتم لها خفة و ثقلا، و
هذا مشهور البطلان. على أن النقطة ليست إلا فناء الخط و فناء الخط